لأنا لا نسلم أن الحكيم هو الذي يكون فعله لمصلحة بل هو الذي يكون فعله متقنًا محكمًا، والمراد من كون فعله محكمًا: أنه واقع على الترتيب العجيب، والتأليف اللطيف لا أنه مشتمل على المصلحة، أو هو الذي لا يصدر عنه ما لا ينبغي، وصدور ما لا ينبغي في حقه تعالى محال؛ لأن ذلك إنما يكون بالتصرف في ملك الغير أو التصرف في ملك نفسه بما لا يأمره الشارع به، وهما في حق الله تعالى غير متصورين.
وأما الوجه الثاني فضعيف أيضًا؛ إذ لا يلزم من إجماع الفقهاء عليه مع مخالفة المتكلمين لهم أن يكون مجمعًا عليه وحجة عليهم وعلى غيرهم من المخالفين؛ فإن هذه المسألة من مسائل الكلام لا من تفاريع الفقه حتى يستدل بإجماعهم على غيرهم.
وأما الوجه الثاني فالاعتراض عليه هو أن نقول: إن ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح إن جاز بالنسبة إلى القادر المختار فقد سقط الدليل، وإن لم يجز فحينئذ إما أن يقال: أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى أو مخلوقة لهم، وعلى التقديرين لا يمكن القول بتعليل أفعال الله بالمصالح.
أما على الأول، فلأن الكفر والمعاصي كلها حينئذ تكون واقعة بخلق الله تعالى، ومع القول بذلك لا يمكن تعليل أفعاله تعالى بالمصالح.
وأما على الثاني؛ فلأن العبد المتمكن من فعل المعصية وخلقها إن لم يكن متمكنًا من تركها، كان العبد مضطرًا إلى فعلها ثم ما به الاضطرار ليس منه. وإلا لكان متمكنًا من تركها بسبب ترك فعل ما به الاضطرار، ونحن نتكلم على خلاف هذا التقدير فيكون ما به الاضطرار من فعل الله تعالى، فيكون الله تعالى قد فعل شيئًا أوجب ذلك صدور المعصية من العبد ويمتنع عقلًا انفكاك العبد منه، ومع هذا لا يمكن القول بتعليل أفعال الله تعالى بالمصالح، وإن كان متمكنًا من تركها فرجحان فاعليته على تاركيته لابد وأن يكون لمرجح؛ لأنا نتكلم على تقدير أنه لا يجوز ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير