لو كانت معللة به لاندفعت الحاجات بأسرها؛ لأن الحاجات كلها مشتركة في كونها حاجة ومتباينة بخصوصياتها، وتلك الخصوصيات يجب أن لا تكون حاجة وإلا لما حصل بها الامتياز، كما أنها مندرجة تحت الحاجة المشتركة بين الكل حينئذ، فإذا ثبت أن الأحكام شرعت لدفع الحاجة وثبت أن الحاجات كلها مشتركة في كونها حاجة لزم دفع الحاجات كلها لكنها غير مندفعة بأسرها وهو ظاهر، فبطل كونها معللة به.
وثالثها: أن تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه يقتضي توقيف المقتضي على الشرط أو تخلف الحكم عنه لمانع كلاهما على خلاف الأصل فالتعليل بدفع الحاجة على خلاف الأصل.
بيان الملازمة: أن أحكام الشرع من قبلنا كانت حسنة في تلك الشرائع؛ ولذلك كانت معمولة بها ثم صارت قبيحة في زمان شريعتنا؛ ولذلك حسن نسخها، ولا يجوز أن يكون ذلك من مقتضيات ماهية ذلك الفعل من حيث هو؛ لأن ماهية الفعل الواحد لا يقتضي حكمين مختلفين بحسب ماهيته، بل ذلك لأن اقتضاءه لذلك الحكم كان مشروطًا بشرط لم يوجد في زمننا، أو لأنه وجد في زماننا ما يمنعه من اقتضائه، وإنما كان يلزم أحد ما ذكرنا من الأمرين.
ورابعها: لو كانت الأحكام مشروعة لتحصيل المصالح لحصلت المصالح قطعًا ضرورة أن الحكيم القادر لا يسلك ما يحتمل أن لا يؤدي إلى المقصود مع قدرته على سلوك ما يؤدي إليه جزمًا لكن المصالح غير حاصلة قطعًا بدليل أن الزنا والسرقة وغير ذلك من الأحكام المشروعة لمصالحها قد تتخلف عنها، ولو كانت حاصلة على وجه القطع لما تخلفت في شيء من الصور، ولما تخلفت دل على أنها لم تشرع لها.