وثانيها: أن الحكم لابد له من علة على ما سبق، فتلك العلة إما الذي دار الحكم معه وجودًا وعدمًا، أو غيره، الثاني باطل.
أما أولًا: فلأن الأصل عدم ذلك الغير.
وأما ثانيًا: فلأن ذلك الغير إن كان موجودًا قبل الحكم لزم تخلف الحكم عن العلة وهو خلاف الأصل، وإن لم يكن موجودًا قبله لم يكن على لذلك الحكم إذ ذاك والأصل بقاؤه على عدم عليته، فيحصل ظن عدم عليته، وإذا حصل ظن عدم علية ذلك الغير حصل ظن عليه ما دار معه الحكم وجودًا وعدمًا لا محالة.
وأما ثالثًا: فلأن ذلك الغير إن لم يصلح للعلية لم يجز جعله علة، وإن صلح لم يكن مسألتنا، لأنه حينئذ حصل هناك مزاحم ونحن إنما ندعى علية المدار عند عدم المزاحم فلم تكن تلك الصورة مسألتنا.
ولا يقال: الحكم كما دار مع ذلك الوصف وجودًا وعدمًا، فكذا دار مع تعينه وحصوله في ذلك المحل، فحينئذ يكون المزاحم حاصلًا فلم تجز الإضافة إلى الوصف، أو يقال: مجموع الوصف مع التعين والحصول في ذلك المحل على عملًا بالدورانين، وعلى هذا التقدير لا يجوز تعديته عن ذلك المحل؛ لأن نقول: التعين والحصول في المحل أمران عديمان؛ إذ لو كانا وجوديين لزم أن يكون للتعين تعين أخر، وللحصول في المحل حصول آخر فيلزم التسلسل، ضرورة أن التعين حينئذ يشارك سائر التعينات في كونه تعينًا ويمتاز عنها بخصوصيته، وكذا الحصول في المحل فإنه حينئذ يكون له حصول في المحل؛ إذ ليس هو جوهر قائم بنفسه، وهو معلوم بالضرورة، فيكون له حصول في المحل، فثبت أنهما أمران عديمان وإذا كانا كذلك فلا يجوز أن يكونا