قلنا: نعم لكن دل الدليل عليه وهو كونه جمعًا بين الدليلين فوجب المصير إليه.
ورابعها: أن المدار يجوز أن يكون وصفًا لازمًا للعلة وليس هو العلة، كالرائحة الفائحة اللازمة للشدة المطرية، ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بالتعرض لانتفاء وصف غيره بطريق نحو الأصل، أو السبر والتقسيم، وحينئذ يلزم الانتقال من طريق الدوران إلى طريق السبر والتقسيم، وهو كاف في الاستدلال على العلة فيضيع التعرض لطريقة الدوران.
وجوابه: لو كان احتياج الدوران إلى بيان عدم وصف آخر بالأصل، أو لعدم/ (١٨٨/ أ) الوجدان بعد البحث والطلب الشديد قادحًا في كونه طريقًا إلى الظن بالعلة لقدح ذلك في أكثر الأدلة كالمناسبة وغيرها، لأن المستدل إذا أبدى مناسبة وصف أو ذكر دليلًا على الحكم فللخصم أن يقول: إنما يعمل بكل وحد منهما لو سلما عن المعارض ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بالأصل أو بالسبر والتقسيم، ويلزم من ذلك الانتقال من تلك الطريقة إلى غيرها، وهو كاف في الدلالة على المطلوب، وأيضًا: فإن كون ذلك المدار وصفًا لازمًا للعلية، وأن العلة حينئذ تكون غيره احتمال مرجوح لا يقدح في ظن علية ذلك الوصف المدار؛ فإنا إذا رأينا دوران حكم مع وصف وجودًا وعدمًا مع صلاحيته للعلية مع عدم علمنا بوصف آخر غلب على ظننا بكون ذلك الوصف علة وأن احتمال أن تكون العلة غيره وأنه لازم لتلك العلة احتمالًا مرجوحًا والعمل بالظن واجب فيكون العمل بذلك الوصف واجبًا ولا نعني بكون الدوران حجة سوى هذا وحينئذ لا حاجة للمستدل إلى دفع ذلك الاحتمال المرجوح؛ لأن طالب الظن ليس عليه دفع الاحتمالات المرجوحة وإنما ذلك على طالب اليقين فلا حاجة له إلى التمسك بالسبر والتقسيم وغيره.