وأما ثالثًا: فلأن الحكم إذا كان معقول المعنى كان على وفق المعتاد من تصرفات العقلاء وأهل العرف، والأصل مطابقة الشرع للعقل والعرف، وإذا بطل الثاني تعين الأول، وحينئذ نقول: العلة إما هذا الوصف، أو ذلك الوصف، أو الوصف الفلاني؛ إذ الأصل عدم ما عداها، ولأن المجتهد ناظر في الأوصاف الحاصلة في محل الحكم فإذا لم يجد بعد البحث الشديد والطلب الأكيد إلا ما ذكر من الأوصاف الثلاثة أو الأربعة غلب على ظنه أنه لم يكن هناك وصف آخر غير ما ذكر، فإذا أخبر بذلك غلب على الظن صدقه؛ لأنه عارف سليم الحس والعقل عدل ثقة، وحينئذ يحصل الظن بانحصار صفات محل الحكم فيما ذكره المجتهد وأخبر أنه لم يجد سواه فإذا نفي بعد ذلك بدليل قاطع أو ظني علية ماعدا الذي ادعي عليته غلب على الظن أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم والعمل بالظن واجب لما سبق فيكون هذا النوع حجة.
وضابط هذا النوع الظني: هو أن لا يكون الدليل الدال على انحصار الصفات في محل الحكم ونفي علية ما عدا الوصف المعين قاطعًا سواء كانا ظنيين أو أحدهما.
فإن قلت: لا نسلم حصر الصفات فيما ذكر فلعل له صفات أخر. قوله: بحث وطلب فما وجد.
قلنا: لا نسلم فلعله لم يبحث ولم يطلب/ (١٨٩/ أ) وأخبر بذلك كذبًا ترويجًا أو طلبًا للغلبة.
سلمناه لكن ربما وجده ولكن لعله ستره للعليتين السابقتين.