ومنهم من جوز ذلك؛ لأن ذلك من باب تكثير الأدلة وهو أقوى في إفادة الظن.
ثم المجوزون اختلفوا في أنه إذا فرق المعترض بين أصل واحد وبين الفرع هل يكفيه ذلك أم لا؟ بل يحتاج إلى أن يفرق بين الفرع وبين كل واحد منها:
فذهب قوم إلى أنه يكفيه ذلك، وهو الأصح، لأن إلحاق الفرع بتلك الأصول بأسرها غرض المستدل وإلا لم يعدده وهو غير حاصل، ضرورة أنه لم يكن ملحقًا بالأصل الذي فرق المعترض بينه وبين الفرع فلم يكن ملحقًا بها بأسرها، وحينئذ يحصل غرض المعترض وهو إبطال ما رام المستدل إثباته.
ومنهم من قال: لا يكفيه ذلك بل يحتاج إلى أن يفرق بين الفرع وبين كل واحد من تلك الأصول، لأن القياس على كل واحد من تلك الأصول مستقل في إفادة المطلوب، فإذا خرج بعض تلك الأقيسة بالفرق عن إفادته فقد بقي الثاني مفيدًا للمطلوب فيحصل غرض المستدل.
واعلم أنه أن كان غرض المستدل من الأقيسة المتعددة إثبات المطلوب بصفة الرجحان وغلبه الظن المخصوص فالفرق المذكور قادح في غرضه، ومحصل لغرض المعترض، وإن كان غرضه إثبات أصل المطلوب أي إثباته برجحان ما فيهما بقي قياس/ (٢١٤/ أ) واحد أو أكثر منه سليمًا عن الفرق لم يقدح ذلك في غرضه ولا يحصل به غرض المستدل.
ثم الذين لم يكتفوا بالفرق بين الفرع وأصل واحد بل أوجبوا ذكره بينه وبين جميع تلك الأصول اختلفوا في أنه هل يجب أن يكون ذلك الفرق واحدًا لئلا ينتشر الكلام وليكون موافقًا للمستدل فإنه ذكر جامعًا واحدًا في أقيسته على جميع تلك الأصول أم يجوز أن يكون متعددًا؟