ومنهم من فصل فقال: إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها، وإلا فلا، وهو المختار.
أما الأول فالدليل عليه من وجوه:
أحدها: أنا إذا ظننا أن الحكم في المحل الفلاني إنما ثبت لحكمة كذا، ثم ظننا حصول تلك الحكمة في محل آخر، فإنه يغلب على ظننا ثبوت ذلك الحكم في ذلك المحل الآخر، والعمل بالظن واجب لما سبق، ولا نعني بكون التعليل بالحكمة جائزًا سوي هذا.
ومعلوم أن هذا لا يتأتي إلا إذا كانت الحكمة مضبوطة يمكن معرفة مقاديرها، فإنها إذا كانت غير مضبوطة لا يمكن معرفة مقاديرها فيتعذر حصول الظن بالمقدمتين.
وثانيها: أنا أجمعنا على أن الوصف الحقيقي إنما يكون علة لاشتماله على الحكمة، وإن كانت تلك الحكمة خفية غير منضبطة، فإذن علية الوصف لعلية الحكمة، وهي علة العلة فأولي أن تكون علة الحكم، مقتضي هذا أن يجوز التعليل بالحكمة، وإن كانت خفية، ترك العمل به في الحكمة الخفية المضطربة لخفائها وعدم ضبطها، فوجب أن يجوز التعليل بالحكمة المضبوطة الظاهرة كما يجوز بالوصف الحقيقي بل أولي؛ لأن عليتها بالأصالة وعلية الوصف بالعرض.
وثالثها: أن التعليل بالحكمة جائز عرفًا؛ إذ يقال: إنما أعطي الأمير لدفع