قلنا: من الظاهر أن الحكمة إذا كانت ظاهرة مضبوطة كان الظن بحصولها كالظن بحصول الوصف إذا لم يزد الوصف عليها حينئذ بما يوجب سهولة حصول الظن أو العلم به، نعم إذا كانت الحكمة خفية مضطربة كان تحصيل الظن أو العلم بحصولها صعب عسر لا أنه غير ممكن.
وبهذا خرج الجواب عما ذكر من الدلالة على امتناع حصول الظن بها؛ لأنا نمنع أن الحكمة الظاهرة المضبوطة لا يمكن الوقوف عليها، على أن ما ذكر من الدلالة منقوض بالوصف، فإنه لا نزاع في أن المناسبة طريق كون الوصف علة الحكم، والمعني بذلك: أنا نستدل بكون الوصف مشتملًا على [المصلحة على كونه علة فلا يخلو إما أن يكون الدال على عليته اشتماله على] مطلق المصلحة وهو باطل، وإلا لكان كل وصف مشتمل على المصلحة كيف كانت علة لذلك الحكم أو على مصلحة مخصوصة/ (٢١٧/ أ) معينة، وحينئذ نقول: لا جائز أن تكون تلك المصلحة بحيث لا يمكن الاطلاع عليها وإلا امتنع الاستدلال بمناسبة الوصف على عليته للحكم لما تقدم أنه لا معني لمناسبة الوصف للحكم إلا اشتماله على المصلحة الملائمة للحكم وثبت أنه لا يجوز أن تكون تلك المصلحة مطلق المصلحة فيتعين أن تكون مصلحة مخصوصة معينة، فلو لم تكن تلك المصلحة بحيث يكون الاطلاع عليها ممكنًا لما أمكن الاستدلال بالوصف المناسب على عليته، وإذا بطل هذا القسم تعين أن تكون تلك المصلحة بحيث يكون الاطلاع عليها ممكنًا، وحينئذ ينتقض الدليل. فظهر بهذا بطلان قولهم: إن الحاجة أمر خفي لا يمكن الوقوف عليها.
وبه خرج الجواب أيضًا عن قوله: إنه وإن أمكن حصول الظنين لكن يعسر حصولهما؛ فإنا نمنع ذلك أولًا لما سبق، وننقضه ثانيًا بما تقدم وهو الجواب