للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلمنا دلالة ما ذكرتم على المطلوب لكنه معارض بوجوه:

أحدها: لو جاز التعليل بالحكمة لوجب طلبها؛ لأن القياس مأمور به على ما عرفت ذلك من قبل، وهو لا يتم بدون وجدان العلة ووجدانها متوقف على الطلب، وما يتوقف عليه المأمور به المطلق وكان مقدورًا للمكلف فهو مأمور به، فيكون طلبها مأمورًا به فيكون طلب الحكمة مأمورًا به، لكن طلبها غير مأمور به؛ لأن الحكمة راجعة إلى الحاجة إلى تحصيل المصالح ودفع المفاسد وهي مما يخفي ويزيد وينقص فلا تكون ظاهرة ولا منضبطة، وما هذا شأنه [لا يعلم] إلا بمشقة شديدة وكلفة كلفة، وما يكون كذلك وجب أن لا يكون مأمورًا به بالنصوص النافية للحرج والمشقة.

وثانيها: أن استقراء أحكام الشرع يدل: على أن الحكم غير معلل بالحكم، بل بالأوصاف المشتملة عليها، بدليل أنا لو فرضنا حصول تلك الحكم بدون تلك الأوصاف [لم تترتب تلك الأحكام عليها، ولو فرضنا حصول تلك الأوصاف] بدون الحكم ترتبت تلك الأحكام عليها، وذلك يدل ظاهرًا على أن الحكم غير معلل بالحكمة.

وثالثها: أن مقتضي الدليل عدم جواز التمسك بالعلة المظنونة؛ لما تقدم آنفًا، ترك ذلك في الأوصاف الجلية المضبوطة لمسيس الحاجة وظهورها، فوجب أن يبقي ما عداها على الأصل.

ورابعها: أن الحكمة متأخرة الحصول عن الحكم ولا شيء من العلة بمتأخر عنه فلا شيء من الحكمة بعلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>