للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التغليظ، ونفيًا للحرج والمشقة والعسر والضرر، ألا تري أن المشقة لما لم تنضبط ويختلف الناس باختلاف الأشخاص والأحوال رد الشارع في جواز القصر والفطر بسببها إلى مظنتها في الغالب وهو السفر الطويل، وكذا وجوب الاعتداد لبراءة الرحم منوط بالوطء الذي هو مظنة شغل الرحم بالماء لا بحقيقة الشغل؛ لأن ذلك مما يعسر الاطلاع عليه وأمثاله كثيرة في الشرع.

فإن قلت: لا نزاع في أنه إذا حصل ظن أن الحكم في الأصل معلل بحكمة كذا، وحصل ظن حصول تلك الحكمة في صورة أخري حصل ظن حصول ذلك الحكم في تلك الصورة، لكن لا نسلم إمكان حصول الظنين، وما الدليل عليه؟

ثم الذي يدل على امتناع حصول ذلك هو أن حاصل التعليل بالحكمة راجع إلى التعليل بحاجة تحصيل المصلحة ودفع المفسدة، فالحكم لو كان معللًا بها، فإما أن يكون معللًا بمطلق الحاجة المحصلة، أو الدافعة، أو بالحاجة المخصوصة منها.

والأول باطل وإلا لكان حيث تحقق منه الحاجة تحقق الحكم وهو خلاف الإجماع والاستقراء.

والثاني أيضاً باطل؛ لأن الحاجة أمر باطن خفي فلا يمكن الوقوف على مقاديرها، وامتياز كل واحدة من مراتبها التي لا نهاية لها عن المرتبة الأخرى، وحينئذ يتعذر التعليل بها؛ إذ التعليل بالحاجة المخصوصة يستدعي تعقلها وتميزها عما عداها؛ ضرورة أن التصديق بالشيء مسبوق بتصوره.

ولو سلمنا إمكان حصول الظنين لكن بعسر وحرج أو بدونه، والأول مسلم لكن التكليف بطلب مثله مدفوع بالنصوص النافية للعسر والحرج فلا يجوز التعليل به والثاني ممنوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>