يسلم عليه، ولو كانت العلبة ثبوتية لاستحال قيامها بالعدم سواء كانت علة للعدم أو الثبوت، أو لأن العلية تقتضي التأثير والإيجاب وذلك في العدم لا يعقل فهو أيضا باطل لما سبق آنفا أنه لا معنى للعلة إلا لكونها معرفة للحكم، وقد عرفت أن ذلك جائز على العدم أو لمعنى آخر، وهو أيضا باطل؛ لأن الأصل عدمه، ولأن كل من قال بعدم جوازه فإنما قال به بناء على الاحتمالين المذكورين فالقول بفساده بناء على احتمال آخر قول مخالف للإجماع فكان باطلا، وإذا بطلت هذه الأقسام بطل القول بعدم جوازه فوجب القول بصحته.
واحتج المانعون منه بوجوه:
أحدها: أن العلية ثبوتية، ضرورة أنها نقيض "اللا علية" المحمولة على العدم، والمحمول على العدم عدمي، وإلا لزم كون العدم موصوفا بالثبوت وهو يفضى إلى القول بالسفسطة. ومقتضى النفي ثبوت، فوجب أن تكون العلية ثبوتية، وإذا كان كذلك استحال اتصاف العدم بها.
وجوابه: أن الاستدلال بصورة النفي على الوجود يتوقف على العلم بأن ذلك المفهوم قبل دخول حرف النفي وجوديا، فإن بتقدير أن لا يعلم ذلك بل يجوز أن يكون عدميا، كان مفهومه حينئد بعد دخول حرف النفي وجوديا، ضرورة أن عدم العدم ثبوت وإذا كان كذلك كان العلم بكون ذلك المفهوم وجوديا قبل العلم بوجه دلالة صورة النفي على الوجود، فلو استدللنا بصورة النفي على الوجود لزم أن يكون العلم به حاصلا قبل العلم بالوجود؛ ضرورة أن العلم بالدليل وبدلالته قبل العلم بالمدلوم فيلزم الدور وهو ممتنع.