وثانيها. قوله تعالى:{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} وهو صريح بوقوع التعبد بالحكم بما أراه الله تعالى وهو يعم ما أراه بطريق التنصيص، أو بطريق الاستنباط من النص فيحمل عليها فوجب أن يكون مأمورًا بالحكم بالطريقتين وهو المطلوب.
وثالثها: قوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} وهو إنما يكون فيما يفعل بالرأي؛ لأن ما هو منصوص عليه فعله متعين فلم يكن للمشاورة فيه معنى.
لا يقال: المراد منه الآراء والحروب والأمور الدنياوية.
قلت: إنه تقييد للإطلاق فيكون خلاف الأصل لا بصار إليه إلا لدليل.
ورابعها: قوله تعالى في قصة داود: {ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكمًا وعلمًا} ومن الظاهر أن مثله لا يستعمل في المنصوص عليه فكان دور في الاجتهاد والرأي، وإذا ثبت جواز ذلك في حقهم ثبت أيضًا في حق نبينا ضرورة أنه لا قائل بالفصل.
وخامسها: ما يروى عنه- عليه السلام- أنه قال:"لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدي".