وهذا يدل بصراحته على أن ذلك ليس بوحى. ولأنه رحل عنها بقوله، ولو كان عن وحى لما رحل عنها بقوله، ولما جاز له أيضا مراجعته فهو إذن عن اجتهاد.
واحتج المانعون منه بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحي} دلت الآية على أن [كل]، ما ينطق به فهو عن وحى، ترك العمل بها في النطق بالأمور العادية فوجب أن يبقى معمولاً بها في الأحكام الشرعية، ولا يحسن أن نتمسك بصدر الآية فإن من الظاهر أن النطق عن الاجتهاد ليس بهوى، لأن النطق عن الهوى مذموم، والنطق عن الاجتهاد والنظر مأمور به، وإنما الذى يحسن التمسك منها إنما هو بقوله:{إن هو إلا وحي يوحى}.
وجوابه: أنه إنما يتناول النطق دون اجتهاده الذى هو من فعله لا من نطقه، والنزل إنما هو في الاجتهاد.
سلمناه لكن لما أمر بالاجتهاد والابلاغ بمقتضاه والعمل به لم يكن ذلك نطقا بغير الوحى بل هو به.