روي عن الشافعي- رضي الله عنه- أنه قال:"من استحسن فقد شرع" واعلم أنه لا بد وأن يعلم أولًا ما هو المراد من الاستحسان حتى يمكن الاحتجاج عليه ترتيبًا أو تقريرًا فنقول:
إن عني به الحكم بما يستحسنه المجتهد بعقله وهواه، وهو المتبادر إلى الفهم عند سماع لفظ الاستحسان، ولهذا فهم المخالفون منه هذا المعنى فهو باطل.
أما أولًا: فبإجماع الأمة على عدم جواز الحكم في الشرع بمجرد التشهي واستحسان العقل قبل ظهور المخالف إن فسر المخالف الاستحسان به وإلا فالإجماع حاصل على ذلك إلى هذا الزمان.
وأما ثانيًا: فلأن التعبد بالاستحسان بهذا المعنى لو كان واقعًا فأما أن يعلم ذلك بطريق التواتر، إذ لا مجال للعقل في الأمور النقلية لكن ذلك باطل؛ أما الأول: فلأن المنقول بطريق الآحاد لا يفيد إلا الظن- ولا يكتفى به في مثل هذا الأصل، وأيضًا: فلأن متون مدارك الأحكام قطعية كالإجماع والقياس وخبر الواحد فكان يجب أن يكون متنه مقطوعًا به وذلك لا يحصل بنقل الآحاد.
وأما الثاني: فلأنه لو كان ورود التعبد به منقولًا بالتواتر لعرفه/ (٣٤٤/ أ) كل أحد، ولارتفع الخلاف فيه، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم.