وأما ثالثًا: فلأن شرعية ذلك- يخل بمقصود التكاليف وهو تحصيل المصالح، أو دفع المفاسد؛ فإن ما يكون بمجرد التشهي لا يجب أن يكون كذلك.
وإن عنى به غيره فلا بد من ذكره لينظر فيه.
وقد ذكر فيه وجوه:
أحدهما: أنه عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه لعدم مساعدة العبارة.
والكلام عليه أن يقال: إن أدلة الشرع كلها مما يمكن التعبير عنها، إما بلفظ مفرد يخصه، أو بمركب، وكيف لا وكل واحد منهما مما تمس الحاجة إلى التعبير عنه، فالظاهر أنه وضع له لفظ وإن كان بطريق النقل لما عرفت في اللغات.
سلمنا أنه ليس له لفظ يعبر عنه بطريق الحقيقة لكن يمكن التعبير عنه على سبيل التجوز؛ إذ لا بد له من نسبة- ومناسبة خاصة مشتركة بينه وبين غيره مما له لفظ يدل عليه فحينئذ يمكن التعبير عنه.
سلمناه لكن إن قطع بكونه دليلًا جاز التمسك به وفاقًا وإن لم يمكنه التعبير عنه وإن لم يقطع بذلك بل تردد فيه بخيال أو وهم لم يجز التمسك به وفاقًا فلم يتحقق استحسان مختلف فيه. وأيضًا هذا الدليل المنقدح في نفس المجتهد إنما يمتاز عن غيره من الأدلة لكونه لا يمكن التعبير عنه، وذلك ليس أمرًا آيلًا إلى ما يقدح في كونه دليلًا فكان التمسك به جائزًا وفاقًا، فعلى هذا يكون النزاع آيلًا إلى التسمية ولا حاصل له.