في قوله تعالى:{فخر راكعًا وأناب} فهذا مع القياس أقوم من الاستحسان فكذلك ترك الاستحسان بالقياس.
وقيل: إن قوله: في حكم الطارئ احتراز عن الاستحسان الذي يترك بالقياس الذي ليس في حكم الطارئ [فإنه ليس استحسانًا من حيث أن القياس الذي ترك به الاستحسان ليس في حكم الطارئ] بل هو الأصل وذكر هذا القائل مثاله ما ذكرنا من/ (٣٤٥/ أ) الصورة بعينها، فعلى هذا لا يرد ما ذكرنا من السؤال؛ لأنه حينئذ ليس باستحسان في الحقيقة وإن سميناه استحسانًا.
واعلم أن فيه نظرًا من حيث أنه قسم الاستحسان إلى قسمين حقيقي لفظي فجعل ما يترك بالقياس الأصلي من الاستحسان استحسانًا لفظيًا، وما يترك منه بالقياس الطارئ جعله استحسانًا حقيقيًا، وهذا يقتضي أن يكون القياس الطارئ أقوى من الاستحسان وهو خلاف المشهور، فإن المشهور عند القائلين به أن الاستحسان أقوى مدركًا من القياس مطلقًا، وحيث يترك بالقياس فإنما يترك لانضمام دليل آخر إليه كما تقدم.
واعلم أنه كما خرج من قوله غير شامل شمول الألفاظ العدول عن العموم إلى القياس المخصص، فكذا يخرج منه العدول من المنسوخ إلى الناسخ وإن كان المنسوخ حكمًا ثابتًا بالفعل؛ لأن الفعل وحده لا يدل كما عرفت بل بواسطة القول، فيكون المتروك آيلًا إلى ما يكون شموله شمول الألفاظ ولولا خروجه عنه وإلا لا ينقض الحد.