للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعترض عليه الإمام بأنه يقتضي أن تكون الشريعة بأسرها استحسانًا؛ وذلك لأن مقتضى العقل هو البراءة الأصلية، وإنما ذلك لدليل أقوى منه، وهو إما نص أو إجماع أو غيرهما.

وهذا الأقوى في حكم الطارئ على الأول فيلزم أن يكون الكل استحسانًا.

ولا قائل به فينبغي أن يزاد في الحد قيد آخر فيقال: "ترك وجه من وجوه الاجتهاد مغاير للبراءة الأصلية، والعمومات اللفظية لوجه أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول".

واعلم أنه يمكن أن يجاب عنه بأن قوله: ترك وجه من وجوه الاجتهاد ينبئ عن أن ذلك الوجه مغاير للبراءة الأصلية فإن البراءة الأصلية ليست وجهًا من وجوه الاجتهاد لأنها معلومة أو مظنونة من غير اجتهاد، فلا حاجة إلى ما ذكره من القيد بطريق الصراحة.

واعلم أنه يقتضي أن يكون العدول من حكم القياس إلى النص الطارئ عليه استحسانًا، وما أظن الخصم يقول به، ثم لا نزاع في هذا أيضًا؛ فإن حاصله يرجع إلى نفس الاستحسان بالرجوع عن حكم دليل خاص إلى مقابلته بدليل آخر أقوى منه وهو طارئ عليه من نص أو إجماع أو غيرهما، ولا نزاع في صحة الاستدلال بمثله فلم يتحقق استحسان مختلف فيه في المعنى.

وأما النزاع في التسمية فغير لائق بذوي التحقيق، ولئن سلم ذلك لكن لا ينبغي فيه نزاع؛ إذ قد ورد لفظ الاستحسان في الكتاب والسنة وفي ألفاظ المجتهدين: قال الله تعالى: {ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله} وقوله: {الذين يستمعون [القول فيتبعون] أحسنه}، وقوله: {وأمر قومك

<<  <  ج: ص:  >  >>