والحقيقة، من حيث إنه حكم شرعي، أو من حيث أنه يذم تاركه على ما ذكرنا من القيود، وما يجري مجراه من الأمور المشتركة بينهما وهو الظاهر من كلامه، فهذا مسلم ولا نزاع فيه، فإن الواجب والفرض لا اختلاف بينهما من حيث إنهما حكمان شرعيان واجبا العمل مقدران يذم تاركهما. وإن أرادا به غير هذا فهو ممنوع.
وهذا لأن المعلوم من حيث إنه معلوم مخالف في الماهية، للمظنون من حيث إنه كذلك، بخلاف الواجبات المختلفة في الظهور والخفاء، فإنه لا اختلاف فيهما من حيث إنه مظنون، وإن كان بينهما أيضا اختلاف من حيث الظهور والخفاء.
سلمنا: أن اختلاف طرق إثبات الحكم، غير موجب لاختلاف ما ثبت به في الحد والحقيقة على الإطلاق لكن ليس ذلك مما وقع النزاع فيه، وإنما النزاع في تخصيص أحد القسمين بأحد الاسمين دون الآخر، وما ذكره لا ينفيه.
نعم لو قيل: هكذا: إن اختلاف طرق إثبات الحكم في كونه معلوما/ (٧٨/أ) أو مظنونا، لا يوجب اختلاف الأسماء، كما أن اختلاف طرق الواجبات في الظهور والخفاء، والقوة والضعف، بحيث إن المكلف يقتل بترك البعض منها دون البعض، لا يوجب اختلاف أسمائها المفردة، لكان أقرب إلى المقصود، لو ثبت أن في الواجبات ما يقتل المكلف بتركه، مع أن ذلك غير لازم أيضا، إذ الحاجة إلى اختلاف الأسماء عند اختلاف النوع، أمس منها إليه عند اتحاد النوع، واختلاف الصفة، ولهذا لا يكاد يوجد نوع من الأنواع وليس له اسم مفرد، ويوجد كثير من أصناف النوع الواحد، وليس له أسماء مفردة.