وعن الثاني: أن في سائر الواجبات المعينة، إنما لم يجعل اختيار العبد وفعله طريقا إلى تعينه، لأنه ربما يعقل ويختار ما ليس بواجب، بخلاف الواجب المخير، فإنه أي واحد فعل منه فإنه هو الواجب.
وأما قوله: في الوجه الثاني: أن نظر العبد قاصر عن معرفة المصالح المقتضية للوجوب إلى أخره.
فجوابه: أنه مبني أيضا على قاعدة التحسين والتقبيح وهي ممنوعة، وإنما لم يجز أن يفوض تعين أصل الوجوب إلى اختيار العبد وفعله لما سبق لا بما ذكرتم من عدم اهتدائه إلى المصالح المقتضية له.
وعن الثالث: أنا لا نقول: إن الواجب واحد لا تعينه بالنسبة إلى عامة المكلفين حتى يلزم ما ذكرتم، بل ذلك بالنسبة إلى كل واحد منهم مكفر بالواجب فيما ذكرتم من الصور.
وعن الرابع: أن علمه تعالى بما يكفر من المكلف، لا يقتضي أن يكون ذلك واجبا متعينا، بل لا يلزم منه إلا أنه متعين في علمه تعالى للفعل، ولا يلزم منه أنه متعين للوجوب في علمه تعالى ولا في غير علمه، وهذا كما لو علم الله تعالى من زيد أنه يصرف الزكاة إلى الفقير الفلاني، فإنه لا محالة يقع ذلك ولا يمكن أن يقال إن صرف الزكاة إلى ذلك الفقير واجب في علم الله تعالى، فإن ذلك جهل، تعالى عن/ (٨٢/ب) ذلك علوا كبيرا، لأنه غير مطابق لما هو في نفس الأمر، إذ صرف الزكاة إلى ذلك الفقير المعين غير واجب، في نفس الأمر إجماعا، فلا يجوز أن يكون واجبا في علمه تعالى، والتحقيق فيه [أنه] إنما يصير متعينا للوجوب إذا فعله المكلف، فلو علم