والصحيح ما ذهب إليه الجماهير، لأنه ليس معنى التكليف طلب ما فيه الكلفة والمشقة بطريق الجزم حتى لا يكون المندوب منه، بل معناه: طلب ما فيه الكلفة سواء كان مع المنع من النقيض، أو لا يكون مع المنع منه.
والمطلوب على وجه الندبية قد يكون أشق من الواجب، فوجب القطع بأنه من التكليف، بخلاف المباح، فإنه ليس فيه طلب أصلا، فلا يكون معنى التكليف فيه، ولأن المندوب لو لم يكن من التكليف لكان المكروه أيضا كذلك، أما لأنه لا قائل: بالفصل، وأما لأنه ليس فيه الطلب الجازم أيضا لكنه باطل، إذ فيه خروج أكثر الأحكام عن التكليف، ولأن المكلف في المندوب دائر بين كلفتين ومشقتين، لأنه إن رغب في الثواب الموعود عليه وقع في كلفة العمل به، وإن تركه لأجل ما فيه الكلفة شق عليه حرمان الثواب، وربما يكون هذا أشق عليه من كلفة العمل به فيدعوه إلى العمل به فيقع المكلف في المشقة فكان من التكليف.
لا يقال: هذا الذي ذكرتم بعينه، يقتضي أن يكون حكم الشارع بكون الفعل المعين سببا للثواب العظيم حكما تكليفا، وهو خلاف الإجماع.
لأنا نقول: لا نسلم أنه خلاف الإجماع، لأن الحكم بالسببية والشرطية والمانعية راجع إلى الأحكام الخمسة المذكورة".