أحدهما: أن تلك المناسبة الطبيعة حاملة للواضع على أن يضع ذلك اللفظ، لذلك المعنى سواء كان الواضع هو الله تعالى أو غيره. وهذا قريب لكن لا يمكن ادعاؤه في كل الألفاظ واللغات، لأنا نعلم بالضرورة أن ما يذكرونه من المناسبة بين حروف الألفاظ وبين معانيها غير مرعية في كل الألفاظ واللغات، ولأنه لو كان كذلك لما وقع المشترك بين الضدين كالقرء والجون، لأن الشيء الواحد لا يناسب الضدين مناسبة طبيعية، ولأنه لو كان كذلك لما اختلف دلالة الألفاظ على معانيها باختلاف الأمم والأزمنة، لأن المناسبة الطبيعة لا تختلف باختلافهما، فعلى هذا استدلال من استدل من أصحابنا على فساد قوله بما أنا نعلم أن الواضع في ابتداء الوضع لو وضع لفظ الوجود للعدم، أو بالعكس لما كان ممتنعا غير مستقيم، إذ الخصم لا يقول أن ذلك ممتنع على هذا التقدير، بل غايته أنه يلزم الترك بالمناسبة الطبيعية وهو غير ممتنع.
وثانيهما: أن تلك المناسبة الطبيعة وحدها كافية في كون تلك الألفاظ دالة على تلك المعاني من غير حاجة إلى الوضع. وهذا معلوم الفساد بالضرورة.