بالإيمان أنه أراد عقابه على تقدير الترك، تعين أن يكون المراد منه أنه طلب منه الإيمان لا بمعني أنه أراد أو بشرطها لما تقدم أنه غير مراد لئلا يلزم قول آخر خلاف الإجماع.
وعن الثاني: أن الممكن المطلق هو الذي لا يلزم من فرض وقوعه محال بوجه من الوجوه، فأما الذي لا يلزم من فرض وقوعه محال نظرًا إلى نفسه دون الأمر الخارجي فليس ذلك بممكن على الإطلاق، وهذا لأن الإمكان والامتناع أمران متنافيان فلابد في اعتبار تنافيهما اتحاد الجهة، فإذا كان الشيء محالاً باعتبار يستحيل أن يكون ممكنًا بذلك الاعتبار، والممكن المطلق هو الذي يكون كذلك بجميع الاعتبارات، ونحن لا ندعى أن الإيمان من الكافر الذي شأنه ما ذكرناه محال في نفسه حتى يكون ممكنًا في نفسه منافيًا لما ذكرنا، بل ما ادعينا إلا أنه محال وهو أعم من كونه كذلك في نفسه أو بغيره، وقد ثبت ذلك بما ذكرناه وما ذكرتموه يدل على أنه ممكن في نفسه فلا يكون منافيًا لما ذكرناه.
وعن الثالث: أنا نسلم أن العلم والمعلوم متلازمان، وأن الحال غير مكشوف لنا في أن العلم الأزلي بماذا تعلق من الأمرين في الأزل وأنه متى وجد الإيمان علمنا أن الحاصل في الأزل هو العلم بالإيمان دون الكفر، وكذلك بالعكس، لكن لما مات الكافر على كفره علمنا قطعًا أن العلم الأزلي كان متعلقًا بكفره إلى زمن موته، وإلا لزم ألا يكون الله تعالى عالمًا بما سيقع منه أو يكون عالمًا بحصول الإيمان منه، وهما على الله تعالى محال، فتعين أنه تعالى كان عالمًا بكفره فلو حصل الإيمان من هذا الكافر، لزم أن ينقلب علم الله تعالى جهلاً وهو محال.