وتقريره أن نقول: لا يجوز أن يكون المراد من قوله عليه السلام: "فأتوا منهم ما استطعتم" الإتيان على وجه الأولوية مع جواز الترك، لأن الأمر الأول دل عليه بما عرفت غير مرة، فلو كان هذا أيضًا دالاً عليه لزم التكرار، وأنه لا يصار إليه مهما أمكن حمل اللفظ على فائدة تأسيسه، فوجب أن يكون المراد منه الإتيان بحيث لا يجوز الترك دفعًا للتكرار، اللهم إلا أن يذكر الخصم فائدة أخرى يصلح حمل اللفظ عليها لكنه يكون إشارة إلى المعارضة.
ثم الذي يؤكد ما ذكرنا أن قوله عليه السلام:"فأتوا منه ما استطعتم" يفيد المبالغة التامة في طلب الفعل المأمور به وذلك لا يناسب جواز الترك.
وثانيها: أن أهل اللغة قالوا: لا فرق بين الأمر والسؤال إلا أنه يعتبر في الأمر / (١٤١/أ) العلو أو الاستعلاء دون السؤال، وذلك يفيد اشتراكهما في جميع الصفات سوى ما ذكر، فكما أن السؤال لا يدل إلا على الندبية فكذا الأمر.
وأجاب الإمام عنه: بأنا لا نسلم أن السؤال لا يفيد إلا الندبية، وهذا لأن السؤال يفيد "الإيجاب" عندنا، وإن كان لا يلزم منه "الوجوب" فإن السائل قد يقول للمسئول عنه: لا تخل بمقصودي، ولا تتركه ألبتة، ولا تخيب رجائي، فهذه الألفاظ صريحة في "الإيجاب"، وإن كان لا يلزم