وجوابه: منع كون المندوب داخلاً في الواجب، وهذا لأن جواز الترك معتبر فيه وهو ينافي ماهية الواجب. فكيف يكون داخلاً فيه؟
سلمنا: ذلك لكنه يقتضي أن يكون جعله حقيقة في رفع الحرج عن الفعل الذي هو قدر مشترك بين المباح والمندوب، والواجب أولى لكونه متيقنا، فإن كل مندوب هو مما رفع الحرج عن فعله، من غير عكس فهو باطل وفاقا.
ورابعها: لا نزاع في أن صيغة الأمر قد وردت تارة في الوجوب، وتارة في الندب، فإما أن يجعل حقيقة فيهما بخصوصيتهما أو في أحدهما.
وهما باطلان، إذ الاشتراك والمجاز على خلاف الأصل، فلم يبق إلا أن يجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما، وهو ترجيح جانب الفعل على جانب الترك، إذ القول: بأنه ليس حقيقة فيهما لا بالاشتراك اللفظي ولا المعنوي ولا في أحدهما باطل إجماعًا، فحينئذ لم تكن الصيغة دالة إلا على رجحان الفعل على الترك، وقد كان جواز الترك / (١٤١/ب) ثابتًا بالبراءة الأصلية، فحينئذ يحصل من مجموعهما أن فعل المأمور به راجح على تركه وأن تركه جائز ولا معني للندب إلا ذلك.
واعلم أن هذا الدليل لا يدل على أن صيغة الأمر موضوعة للندب، بل لا يدل إلا على أنها للقدر المشترك بينهما، والندبية إنما لزمت بسبب انضمام دليل آخر إليها. ومع هذا فوجوبه: بطريق المعارضة بما سبق غير مرة وأيضًا المجاز وإن كان خلاف الأصل، لكنه قد يصار إليه إذا دل الدليل، وقد ذكرنا أن الدليل دل على الوجوب.