(فصل) ونعتقد أن من أدخله الله النار بكبيرته مع الإيمان فإنه لا يخلد فيها، بل يخرجه منها.
فأن النار في حقه كالسجن في الدنيا فيستوفى منه بقدر كبيرته وجريمته، ثم يخرج برحمة الله تعالى ولا يخلد فيها، ولا تلفح وجهه النار ولا تحرق أعضاء السجود منه، لان ذلك محرم على النار، ولا ينقطع طمعه من الله -عز وجل- في كل حال مادام في النار حتى يخرج منها فيدخل الجنة، ويعطى الدرجات على قدر طاعته التي كانت له في الدنيا، خلاف ما قالته القدرية إن الكبيرة تحبط الطاعات، فلا يثاب عليها، وكذلك قول الخوارج تبًا لهم.
(فصل) وينبغي أن يؤمن بخير القدر وشره، وحلو القضاء ومره.
وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه بالحذر، وما أخطأه من الأسباب لم يكن ليصيبه بالطلب، وأن جميع ما كان في سالف الدهور والأزمان، وما يكون، إلى يوم البعث والنشور بقضاء الله وقدره المقدور، وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور الذي خط في اللوح المسطور، وأن الخلائق لو جهدوا أن ينفعوا المرء بما لم يقضه الله تعالى لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه لم يقضه الله عليه لم يستطيعوا.
كما ورد في خبر ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال، قال الله تعالى:{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده}[يونس: ١٠٧].
وروى عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق:«إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة» وفي لفظ آخر «أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا بأربع كلمات: خلقه ورزقه وعمله وشقي أم سعيد، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا باع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».