وأخبر عيسى -عليه السلام- بذلك أتباعه فقال:{ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}[الصف: ٦] من صفته ونعته وفضله كيت وكيت، وأخذ ميثاقهم بالإيمان به، وجدد شأنه عندما رفعه الله تعالى إلى السماء لأصحابه، فلما انقرض الحواريون ومن اتبعه وجاء الآخرون، فضلوا وأضلوا، وبدلوا واستبدلوا بالدين دنياهم، فرفعت عندها آية الأمان من صدور النصارى، وبقيت في صدور مسلمي أهل الإنجيل مثل بحيرا الراهب وأمثاله، حتى بعث الله النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزلت عليه في سورة الحمد بمكة، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكتبت تلك على رؤوس السور وصدور الرسائل والدفاتر، فكان نزول هذه الآية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتحًا مبينًا، وحلف رب العزة بعزته ألا يسمي مؤمن موقن على شيء إلا باركت لفه فيه، ولا يقرؤه مؤمن إلا قالت الجنة له: لبيك وسعديك اللهم أدخل عبدك هذا في {بسم الله الرحمن الرحيم}، فإذا دعت الجنة لعبد فقد استوجب له دخولها.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يرد دعاء أوله {بسم الله الرحمن الرحيم}».
قال:«وإن أمتي يأتون يوم القيامة وهم يقولون {بسم الله الرحمن الرحيم}، فتثقل حسناتهم في الميزان، فتقول الأمم: ما أرجح موازين أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فتقول الأنبياء لهم: لأن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مبتدأ كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء الله تعالى الكرام، لو وضعت في كفة الميزان ووضعت سيئات الخلق جميعًا في الكفة الأخرى لرجحت حسناتهم».
قال: وجعل الله تعالى هذه الآية شفاء من كل داء، وعونًا لكل دواء، وغنى من كل فقر، وسترًا من النار، وأمانًا من الخسف والمسخ والقذف ما داموا على قراءتها».
[(فصل) في تفسير قوله: {بسم الله الرحمن الرحيم}]
قوله -عز وجل-: {بسم الله} روي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن عيسى -عليه السلام- أرسلته أمه -رضي الله عنها- إلى الكتاب ليتعلم، فقال له المعلم: قل {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال عيسى -عليه السلام-: وما بسم الله؟ قال: لا أدري، قال: الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، والميم: مملكته}.