يحب الفحش، وإياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ثم أمرهم بالظلم فظلموا".
(فصل) فإذا مرض المؤمن استحبت عيادته.
فإذا عاده أخوه المسلم نظر في حاله فإن رجا خلاصه من مرضه دعا له وانصرف، وإن خاف موته رغبة في التوبة من الذنوب والوصية بثلث ماله لمن لم يرثه من الأقارب الفقراء منهم، فإن كانوا أغنياء فللفقراء والمساكين وأهل العلم والفضل والدين المنقطعين عن الأسباب الذي قطعهم عنها القدر، وضيق الورع عليهم التحرك فيها، فانقلبت الأسباب عندهم أرباباً، فتركوها ونزهوا الرب سبحانه عن أن يكون له شريك، يرجعون إليه في الرزق، فصار مالهم الثقة بالحق عز وجل، واليأس مما في أيدي الناس، فسلم توحيدهم وانساقت أقسامهم إليهم صفواً عفواً من غير تبعة في الدنيا ولا عقوبة في الأخرى، فيا طوبى لمن أنالهم بنوال، أو حذاهم بحذايا، أو واصلهم بفضل، أو خدمهم يوماً من الأيام، أو أمن على دعائهم ساعة من الساعات، أو أحسن القول فيهم حالة من الأحوال، طوبى له طوبى له، وذلك لأنهم أهل الله وخاصته، فهل يدخل على الملك إلا خاصته، وهل يحذى من السلطان إلا بطريق حواشيه وخدمه من صادق الحواشي والخدم وأحسن إليهم وخدم، يوشك أن يوقفوه على الملك الأعظم، ثم كل منهم يذكر ما عنده من خير خصاله ومآثره، ثم ينعم الملك عليه بما يراه من نعمه وفضائله.
فإذا ظهرت إمارة الموت استحب لأهله أن يلزموه أرفقهم به وأعرفهم بأخلاقه وسياسته، وأتقاهم لربه، ليذكره بالله عز وجل، ويحثه على ما ذكرنا من طاعته، ويتعاهد بل حلقه بأن يقطر فيه ماء أو شراباً ويندى شفتيه بقطنة، ويلقنه قول لا إله إلا الله مرة، ولا يزيد على ثلاث لئلا يضجر ويسأم، فتخرج روحه وهو متكره لذلك، فإن لقنه ثم تكلم بشيء غيره، أعاد تلقينه ليكون آخر كلامه.
قال النبي -صلى لله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".