وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:((رأيت ليلة أسري بي رجالًا تقرض شفاهم بالمقريض، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب)).
قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال قتادة رضي الله عنه: ذكر لنا أن في التوراة مكتوبًا أن ابن آدم يذكرني وينساني، ويدعو إلي ويفر مني، باطل ما تذهبون. وأراد بذلك عز وجل: من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويترك نفسه وهو تعالى أعلم بذلك.
(فصل) والأولى له إن استطاع أن يأمره وينهاه سرًا في خلوة، ليكون ذلك أبلغ وأمكن في الموعظة والزجر والنصيحة له، وأقرب إلى القبول والإقلاع، وقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه:((من وعظ أخاه بالعلانية فقد شانه، ومن وعظه سرًا فقد زانه))، فإن فعل ذلك ولم ينفعه أظهر حينئذ ذلك، واستعان عليه بأهل الخير، وإن لم ينفع فبأصحاب السلطان.
وينبغي ألا يترك إنكار المنكر أبدًا، لأن الله تعالى ذم قومًا تركوا ذلك وتغافلوا عنه، قال عز وجل:{كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}[المائدة: ٧٩]، وقال تعالى:{لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون}[المائدة: ٦٣]، يعني: هلا نهاهم علماؤهم فقهاؤهم وقراؤهم عن القول الفاحش وأكل الحرام وفعل المعاصي.
وقيل: إن الله تعالى أوحى إلى يوشع بن نون عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال تعالى: إنهم لم يغضبا بغضبي وواكلوهم وشاربوهم.
(فصل) وقد ذكرنا أن الشرط الخامس: أن يكون عالمًا بما يأمر متنزهًا عما ينهى عنه، إلا أن شيوخنا ذكروا: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفاسق، كوجوبه على العدل، فأشرنا إلى ذلك لما تقدم من عموم الآيات والأخبار من غير فرق.