عنده علم بذلك لرأي الصغير كبيرًا، والحقير عظيمًا، كما أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: لا تنظر إلى قلة الهدية وانظر إلى عظم مهديها، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى كبرياء من واجهته بها.
ولهذا قال: من جلت رتبته وعظمت منزلته عند الله -عز وجل- فلا صغيرة بل كل مخالفة كبيرة.
وقال بعض الصحابة لأصحابه من التابعين:«إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات» وإنما قال ذلك لقربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن الله ومن جلاله، فيعظم من العالم ما لم يعظم من الجاهل، ويتجاوز عن العامي ما لا يتجاوز عن العارف على قدر ما بينهما من التفاوت في العلم والمعرفة والمنزلة.
(فصل) والتوبة فرض عين في حق كل شخص.
لا يتصور أن يستغنى عنها أحد من البشر؛ لأنه لا يخلو أحد عن معصية الجوارح، فإن خلا عنها فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب، وإن خلا عن ذلك فلا يخلو من وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله تعالى، فإن خلا عنها فلا يخلو عن غفلة وتقصير في العلم بالله -عز وجل- بصفاته وأفعاله.
كل ذلك على قدر منازل المؤمنين في أحوالهم ومقاماتهم، فلكل حال طاعات وذنوب وحدود وشروط، فحفظها طاعة، وتركها والغفلة عنها ذنب، فيحتاج إلى توبة، وهو الرجوع عن التعريج الذي وجد إلى سنن الطريق المستقيم الذي شرع له، ومقام أقيم فيه، ومنزلة مهدت له، والكل مفتقر إلى التوبة وإنما يتفاوتون في المقادير، فتوبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة، وتوبة خاص الخواص من ركون القلب إلى ما سوى الله -عز وجل- كما قال ذو النون المصري -رحمه الله-: توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخاص من الغفلة.
وكما قال أبو الحسين النوري: التوبة أن تتوب من كل شيء سوى الله -عز وجل-، فشتان بين تائب يتوب من الزلات، وتائب يتوب من الغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات، وتائب يتوب من طمأنينة القلب إلى غير خالق البريات.
فالأنبياء -عليهم السلام- لم يستغنوا عن التوبة، ألا ترى إلى ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه