عن الله تعالى في الضراء والسراء، وهي كمال التقوى والتواضع، هو ألا يلقى العبد أحدًا من الناس إلا رأى له الفضل عليه، ويقول عسى أن يكون عند الله خيرًا مني وأربع درجة، فإن كان صغيرًا قال: هذا لم يعص الله وأنا قد عصيت، فلا شك أنه خير مني، وإن كان كبيرًا قال: هذا عبد الله قبلي، وإن كان عالمًا قال: هذا أعطي ما لم أبلغ ونال ما لم أنل، وعلم ما جهلت وهو يعمل بعلم، وإن كان جاهلاً قال: هذا عصى الله بجهل، وأنا عصيته بعلم، ولا أدري بم يختم له، وبما يختم لي، وإن كان كافرًا قال: لا أدري عسى يسلم هذا فيختم له بخير العمل، وعسى أكفر أنا فيختم لي بشر العمل، وهذا باب الشفقة والوجل، وأول ما يصحب وآخر ما يبقى على العباد، فإن كان العبد كذلك سلمه الله من الغوائل، وبلغ به منازل النصيحة لله عز وجل، وكان من أصفياء الرحمن وأحبابه، وكان من أعداء إبليس عدو الله لعنه الله وهو باب الرحمة، ومع ذلك يكون قد قطع طريق الكبر وحبال العجب، ورفض درجة العلو وجانب درجة التعزز في نفسه في الدين والدنيا والآخرة، وهو ملح العبادة وغاية شرف الزاهدين وسيما الناكسين، فلا شيء أفضل منه ومع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين، فلا يتم له عمل إلا به، ويخرج الغل والبغي والكبر من قلبه في جميع أحواله، وكان لسانه في السر والعلانية واحدًا ومشيئته في السر والعلانية واحدًا وكلامه كذلك، والخلق عنده في النصيحة واحدًا، ولا يكون من الناصحين وهو يذكر أحدًا من خلق الله بسوء أو يعيره بفعل، أو يحب أن يذكر عنده بسوء، أو يرتاح قلبه إذا ذكر عنده بسوء، وهذا آفة العابدين وعطب النساك وهلاك الزاهدين، إلا من أعانه الله عز وجل على حفظ لسانه وقلبه برحمته.
* * *
[(فصل) وأما التوكل]
فالأصل فيه قوله عز وجل:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه}[الطلاق: ٣]، وقوله تعالى:{وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}[المائدة: ٢٣].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت الأمم بالموسم، فرأيت أمتي قد ملأت السهل والجبل فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، فقيل لي: أرضيت؟ قلت: نعم، قيل: ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، لا