للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(فصل) ويستحب لمن قام الليل أن ينام آخره لوجهين]

أحدهما: أنه يذهب النعاس بالغداة، والنوم بالغداة مكروه، ولهذا كانوا يأمرون الناعس بالنوم بعد صلاة الصبح، ويمنعون قبلها، وقد ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت له هجعة بعد صلاة الفجر.

والوجه الثاني: أن نوم آخر الليل يذهب صفرة الوجه، وإذا كابد نومه ولم ينم بقيت الصفرة بحالها.

وينبغي أن يتقي ذلك لأنه باب غامض، وهو من الشهوة الخفية والشرك الخفي؛ لأنه يشار إليه بالأصابع، ويتوهم فيه الصلاح والسهر والصوم والخوف من الله عز وجل لأجل تلك الصفرة التي في وجهه، نعوذ بالله من الشرك الخفي والرياء، وكل أمارة تدل عليهما.

وينبغي أن يقلل شرب الماء بالليل لما قدمنا من أنه يجلب النوم، ولأنه يكون منه صفرة الوجه، سيما في آخر الليل، وعند الانتباه من النوم، وفي الخبر "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوتر من آخر الليل اضطجع على شقه الأيمن ضجعة حتى يأتيه بلال رضي الله عنه فيخرج معه إلى الصلاة".

وقد كان السلف يستحبون هذه الضجعة بعد الوتر، وقبل صلاة الصبح حتى جعلها بعضهم سنة، وهو أبو هريرة رضي الله عنه ومن تابعه في ذلك.

وإنما استحبوا ذلك لأنه مزيد لأهل المشاهدة والحضور، لأنهم يكشف لهم عن الملكوت ويضيء لهم أنواع العلوم من الجبروت، ويلقنون غرائب الحكم والعلوم، ويطلعون على ما غاب عنهم من الأقسام والحظوظ، وما أعدها لهم رب الخليقة علام الغيوب، وفي حق العمال وأهل المجاهدة راحة وسكون، ولذلك نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، يستريح فيها أهل أوراد الليل والنهار.

وكذلك يستحب أن يفصل في تضاعيف صلاة الليل بجلوس يسبح فيه مائة تسبيحة، ليكون عوناً على الصلاة، ولتسكن الجوارح، وتزول سآمة النفس للقيام، ويحبب إليها التهجد والصلاة، وهو داخل تحت قوله عز وجل: {ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم} [الطور ٤٩]، وقوله تعالى: {وأدبار السجود} [ق ٤] أي أعقاب الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>