فالواجب عليه ترك مخالفة شيخه في صحبته في الظاهر، وترك الاعتراض عليه في الباطن، فصاحب العصيان بظاهره تارك لأدبه، وصاحب الاعتراض بسره متعرض لعطبه، بل يكون خصمًا على نفسه لشيخه أبدًا، يكف نفسه ويزجرها عن مخالفته ظاهرًا وباطنًا، ويكثر قراءة قوله عز وجل:{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}[الحشر: ١٠].
وإذا ظهر له من الشيخ ما يكره في الشرع استخير عن ذلك بضرب المثل والإشارة، ولا يصرح به لئلا ينفر به عليه، وإن رأى فيه عيبًا من العيوب ستره عليه، ويعود بالتهمة على نفسه، ويتأول للشيخ في الشرع، فإن لم يجد له عذرًا في الشرع استغفر للشيخ ودعا له بالتوفيق والعلم والتيقظ والعصمة والحمية، ولا يعتقد فيه العصمة، ولا يخبر أحدًا به، وإذا رجع إليه يومًا آخر أو ساعة أخرى يعتقد أن ذلك قد زال، وأن الشيخ قد نقل إلى ما هو أعلى رتبة ولم يقر عليه، وإنما كان ذلك غفلة وحدثًا وفضلاً بين الحالين، لأن لكل حالين فصلاً ورجوعًا إلى رخص الشرع وإباحته وترك العزيمة والأشد، كالدهليز بين الدارين، والمنزلة بين المنزلتين، انتهاء للحالة الأولى، وقيامًا على عتبة الحالة الثانية، وانتقالاً من ولاية إلى أخرى، وخلع خلعه ولاية، ولبس خلعة ولاية أخرى، التي هي الأعلى والأشرف لأنهم كل يوم في مزيد قرب من الله عز وجل.
وإذا غضب الشيخ وعبس في وجهه أو ظهر منه نوع إعراض عنه لم ينقطع عنه، بل يفتش باطنه وما يجري منه من سوء الأدب في حق الشيخ أو التفريط فيما يعود إلى أمر الله عز وجل، من ترك امتثال الأمر وارتكاب النهي، فليستغفر ربه عز وجل وليبت إليه، ويعزم على ترك المعاودة إليه، ثم يعتذر إلى الشيخ ويتذلل له ويتملقه، ويتحبب إليه بترك المخالفة له في المستقبل، ويداوم على المرافقة له، ويواظب عليها، فيجعله وسيلة وواسطة وبين وبين ربه عز وجل، وطريقًا وسببًا يتوصل به إليه، كمن يريد الدخول على ملك ولا معرفة له به، فإنه لابد له من أن يصادف حاجبًا من حجابه، أو واحدًا من حواشيه وخواصه، ليبصره بسياسة الملك ودأبه وعادته، ويتعلم الأدب بين يديه والمخاطبة له، وما يصلح له من الهدايا والطرائف مما ليس مثلها في خزانته، ومما يؤثر الاستكثار، فليأت البيت من بابه ولا يتسلق من ورائه من غير بابه، فيلام ويهان،