(فصل) يشترك المؤمن والكافر في العيد، فكل له عيد، فالمؤمن عيده لرضا الرحمن، والكافر عيده لرضا الشيطان، المؤمن يذهب إلى عيده وعلى رأسه تاج الهداية وعلى عينيه علامة فكرة العبرة، وعلى أذنيه استماع الحق، وعلى لسانه الشهادة بالتوحيد، وفي قلبه المعرفة واليقين، وعلى عنقه رداء الإسلام، وفي وسطه منطقة العبودية، ومعدنه المحاريب والمساجد، ومعبوده رب العباد والبرية، ثم التضرع منه والسؤال، ويقابله الرب بالإجابة والنوال، ثم يحله دار الكرامة والجنان.
والكافر يذهب إلى عيده وعلى رأسه تاج الخسران والضلال، وعلى أذنيه ختم الغفلة والحجاب، وعلى عينيه السهو والشهوات، وعلى لسانه ختم الشقاوة والإبعاد، وعلى قلبه ظلمة النكرة والجحود، وعلى وسطه زنار الفرقة والشقاق، وموضعه البيعة والكنائس أو بيت النار، ومعبوده الوثن والأصنام، ومصيره آخرًا إلى جهنم والنيران.
لكن العيد بظهوره علامة القبول للطاعات، وتكفير الذنوب والخطيئات، وتبديل السيئات بالحسنات، والبشارة بارتفاع الدرجات، والخلع والطرف والهبات والكرامات، وانشراح الصدر بنور الإيمان، وسكون القلب بقوة اليقين وما ظهر عليه من العلامات، وانفجار بحور العلوم من القلوب على الألسنة وأنواع الحكم والفصاحة والبلاغة.
كما قيل: إن رجلاً دخل على علي -رضي الله عنه -وكرم الله وجهه في يوم عيد وهو يأكل الخبز الخشكار فقال له: اليوم يوم العيد وأنت تأكل الخبز الخشكار؟ فقال: اليوم عيد لمن قبل صومه، وشكر سعيه، وغفر ذنبه، اليوم لنا عيد وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصى الله فيه فهو لنا عيد.
فينبغي لكل عاقل أن يترك النظر إلى الظاهر ولا يتقيد به، بل يكون نظره في يوم العيد نظر التفكير والاعتبار، فيشبه العيد بيوم القيامة، فليذكر نفخ الصور يوم القيامة عند سمع صوت بوق السلطان ليلة العيد، وإذا بات الناس ليلة العيد ورقدوا منتظرين عيدهم متأهبين له، فيذكر الرقود بين النفختين، وإذا رأى الناس صبيحة يوم العيد وقد خرجوا من قصورهم وبيوتهم مختلفى الأحوال متفاوتى اللباس والألوان كل له زى وحلية، واحد منهم مسرور وواحد مغموم، وواحد راكب وآخر ماش، وواحد غني