الظاهر والأمر المبين الموضوع للأمة وعوام المؤمنين، فإنهم يشاركون الخلق في ذلك، وينفردون عنهم فيما سوى ذلك.
وقد يعطى بعض ذلك الكرام من الأبدال والخلص من الأولياء، فتقصر عباراتهم عن ذكر ذلك، فلا تظهر إلى الوجود ولا تدرك بالسمع والحس إلا ما يغلب على اللسان، فتبدر من ذلك كلمة أو كلمات، ثم يتداركه الله بالسكينة والتثبيت وإسبال الستر عليه، فيستيقظ لأمره ويحفظ لسانه ويستغفر الله تعالى مما جرى، ويغير العبارة ويحسن اللفظ على وجه يعقل ويفهم، على ما هو المعهود عند الناس.
(فصل) وطريق التقوى أولًا: التخلص من مظالم العباد وحقوقهم، ثم من المعاصي الكبائر منها والصغائر، ثم الاشتغال بترك ذنوب القلب التي هي أمهات الذنوب وأصولها فمنها يتفرع ذنوب الجوارح من الرياء والنفاق والعجب والكبر والحرص والطمع والخوف من الخلق والرجاء لهم وطلب الجاه والرياسة والتقدم على أبناء جنسه، وغير ذلك مما يطول شرحه.
وإنما يقوى على جميع ذلك بمخالفة الهوى، ثم الاشتغال بترك الإرادة فلا يختار مع الله شيئًا، ولا يدبر مع تدبيره ولا يتخير عليه ولا ينص على وجهة وسبب في رزقه، ولا يعترض عليه عز وجل في حكمه في خلقه، بل يسلم الكل إليه، ويستسلم بين يديه، ويطرح نفسه لديه، فيصير في يد قدرته كالطفل الرضيع في يد ظئره ودايته، والميت في يد غاسله، مسلوب اختياره، منزوع إرادته، فالنجاة كل النجاة في ذلك.
فإن قال قائل: كيف الطريق إلى ذلك؟
قيل له: الطريق إلى ذلك بصدق اللجأ إلى الله عز وجل، والانقطاع إليه، ولزوم طاعته بامتثال أوامره وانتهاء نواهيه، والتسليم في قدره وحفظ الحال، وصيانته حدودها أبدًا.
واختلفت أقاويل الشيوخ في النجاة:
فقال الجنيد رحمه الله تعالى: ما نجا من نجا إلا بصدق اللجأ إلى الله عز وجل، قال الله عز وجل:{وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه}[التوبة: ١١٨].
وقال رويم رحمه الله تعالى: ما نجا من نجا إلا بالصدق والتقوى، قال الله عز وجل: