للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفطمها عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن، فإذا تطهر من ذلك كله حينئذ اشتغل بغيره، فزال به المنكر بأحسن ما يكون من الوجوه، كما زال في حق عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.

وانظر إلى بركة العبادة والصدق أيضًا في حق العابد كيف نجاه الله من البغية وارتكاب الكبيرة {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [يوسف: ٢٤].

فالله تعالى حال بينه وبين تلك الفاحشة لما تقدم له من الصدق في الخلوات وحسن الطاعة فيما سلف من الأيام والساعات، ثم كيف نجى الله تعالى تلك البغية ببركة العابد، ثم كيف نالت بركته أخاه، فأزال الله فقره وجهده، وزوجه بأحسن النساء، وأغناه ورزقه من حيث لا يحتسب، وجعله أبا الأنبياء السبعة، وجعلها أمهم عليهم السلام.

فالخير كله في الطاعة والشر كله في المعصية، فلا كانت المعصية ولا كنا إذا كنا من أهلها.

[(فصل) وإنما تعرف توبة التائب في أربعة أشياء]

أحدها: أن يملك لسانه من الفضول والغيبة والنميمة والكذب.

والثاني: ألا يرى لأحد في قلبه حسدًا ولا عداوة.

والثالث: أن يفارق إخوان السوء، فإنهم هم الذين يحملونه على رد هذا القصد ويشوشون عليه صحة هذا العزم، ولا يتم له ذلك إلا بالمواظبة على المشاهدة التي تزيد بها رغبته في التوبة، وتوفر دواعيه على إتمام ما عزم عليها مما يقوى خوف ورجاءه، فعند ذلك تنحل من قلبه عقد الإصرار على ما هي عليه من قبيح الأفعال، فيقف عن تعاطي المحظورات، ويكبح لجام نفسه عن متابعة الشهوات فيفارق الزلة في الحال، ويبرم العزيمة على ألا يعود إلى مثلها في الاستقبال.

والرابع: أن يكون مستعدًا للموت نادمًا مستغفرًا لما سلف من ذنوبه مجتهدًا في طاعة ربه.

وقيل: علامة أنه مقبول التوبة أربعة أشياء.

أولها: أن ينقطع عن أصحاب الفسق ويريهم هيبته من نفسه، ويخالط الصالحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>