رمضان، ثم أمرهم بالجهاد، ثم أمرهم بالحج، ثم لما تمت الأوامر والنواهي أنزل الله على رسوله في حجة الوداع:{اليوم أكملت لكم دينكم} وكان ذلك يوم الجمعة، ويوم عرفة، كذلك نقل عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -.
قال طارق بن شهاب -رحمه الله -: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال له: آية تقرؤنها لو كانت نزلت علينا وعلمنا ذلك اليوم لاتخذناه عيدًا، فقال له عمر -رضي الله عنه -: أي آية؟ فقال:{اليوم أكملت لكم دينكم}، فقال عمر -رضي الله عنه -. قد علمت في أي يوم نزلت وفي أي مكان نزلت، إنها نزلت يوم عرفة ويوم الجمعة، ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وقوف بعرفات، وكلاهما بحمد الله تعالى لنا عيد، ولا يزال هذا اليوم عيدًا للمسلمين ما بقى واحد.
وقال رجل من اليهود لابن عباس -رضي الله عنهما -: لو كان هذا اليوم فينا لاتخذناه عيدًا، قال له ابن عباس -رضي الله عنهما -: وأي عيد أكمل من يوم عرفة.
(فصل) واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله قيل للموقف عرفات، وليوم الوقوف بها عرفة.
فقال الضحاك: إن آدم -عليه السلام -لما أهبط إلى الأرض وقع بالهند وحواء بجدة، فجعل آدم يطلب حواء وهي تطلبه، فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعرفا، فسمى هذا اليوم عرفات، والموضع عرفات.
وقال السدى: إنما سمعت عرفات، لأن هاجر حملت إسماعيل -عليه السلام -فأخرجته من عند سارة، وكان إبراهيم -عليه السلام -غائبًا، فلما قدم لم ير إسماعيل -عليه السلام -وحدثته سارة بالذي صنعت هاجر، فانطلق في طلب إسماعيل فوجده مع هاجر بعرفات فعرفه، فسميت عرفات.
وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال:"إن إبراهيم -عليه السلام -غدا من فلسطين، فحلفته سارة أن لا ينزل عن ظهر دابته حتى يرجع إليها من الغيرة، فأتى إسماعيل ثم رجع، فحبسته سارة سنة ثم استأذنها فأذنت له، فخرج حتى بلغ مكة وجبالها، فكان ليلة يسير ويسعى حتى أذن الله -عز وجل -له في الثلث الليل الأخير عند سند جبل عرفة، فلما أصبح عرف البلاد والطريق، فجعل الله -عز وجل -عرفة حيث عرف. فقال: اللهم اجعل بيتك أحب بلادك إليك حيث تهوى إليه قلوب المسلمين من كل فج عميق".