إلا أن يكون المستمع حينئذ من المحققين الصادقين، فيحفظ الأدب في الظاهر، ويسكن عن تكلفه في الباطن، فلا شك أن الله عز وجل يقيض من يتقاضى عنه، أو يلهم القائل بذلك التكرار والترداد، ليقضى الصادق المستمع نهمته ووطره من ذلك.
[(فصل آخر: في أدبه مع شيخه)]
وينبغي له إذا أراد أن يتأدب بشيخ أن يكون له إيمان وتصديق واعتقاد أن ليس في تلك الديار أولى منه، حتى ينتفع به فيما هو مرامه، وأن يقبله الله عز وجل ويحفظ سره في خدمته مع الله تعالى فإن صدق فيما بينه وبين الله تعالى في عقد إرادته، بحفظه حتى لا يجرى على لسان شيخه إلا ما هو الأولى بشأنه، ويحذر مخالفته جدًا، لأن مخالفة الشيوخ سم قاتل فيها مضرة عامة، فلا يخالفه بتصريح ولا بتأويل، ويجتهد ألا يكتم من شيخه شيئًا من أحواله وأسراره، ولا يطلع أحدًا سواه على ما يأمره شيخه.
ولا ينبغي له أن يحتج إلى طلب الرخصة أو يرجع إلى شيء تركه لله عز وجل، فإنه من الكبائر وفسخ الإرادة عند أهل الطريقة.
وقد جاء في الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود فيه".
وعليه الانقياد لالتزام ما يأمر به شيخه من التأديب على مقتضى سوء أدبه، فإن وقع منه تقصير في القيام بما أشار إليه شيخه، فالواجب عليه تعريف ذلك لشيخه ليرى فيه رأيه، ويدعو له بالتوفيق والتيسير والفلاح.
* * *
[(فصل) وأما الذي يجب على الشيخ في تأديب المريد]
فهو أن يقبله لله عز وجل لا لنفسه فيعاشره بحكم النصيحة، ويلاحظه بعين الشفقة، ويلاينه بالرفق عند عجزه عن احتمال الرياضة فيربيه تربية الوالدة لولدها، والوالد الشفيق الحكيم اللبيب لولده وغلامه، فيأخذه بالأسهل ولا يحمله ما لا طاقة له به، ثم بالأشد فيأمره أولاً بترك متابعة الطبع في جميع أموره، واتباع رخص الشرع حتى يخرج