قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إن الله قضى على أهل النار أنهم لابثون فيها أحقابًا، فلا أدرى كم من حقب، غير أن الحقب الواحد ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يومًا، واليوم ألف سنة مما تعدون".
فالويل لأهل النار، والويل لتلك الوجوه التي كانت لا تصبر على حر الشمس حين تلفحها النار، وويل لتلك الرؤوس التي كانت لا تصبر على الصداع حين يصب فوقها الحميم، وويل لتلك الأعين التي كانت لا تصبر على الرمد حين تزرق وتشخص في النار، وويل لتلك الآذان التي كانت تسمع الأحاديث فتلذا بها حين يفور منها لهب النار، وويل لتلك المناخر التي كانت تجزع من ريح الجيف حين تنشقت بالنار، وويل لتلك الأعناق التي كانت لا تصبر على الوجع حين يجعل فيها الأغلال، وويل لتلك الجلود التي كانت لا تصبر على اللباس الخشن حين يجعل عليها ثياب من نار خشن مسها، منتن ريحها تتلظى نارًا، وويل لتلك البطون التي كانت لا تصبر على الأذى حين يدخلها الزقوم مع ماء حميم يقطع أمعاءهم، وويل لتلك الأقدام التي كانت لا تصبر على الحفا حين تحذي لها نعال من نار، فويل لأهل النار من أصناف العذاب.
(فصل) وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "إن لجسر جهنم سبع قناطر، بين كل قنطرتين سبعون عامًا، وعرض الجسر كحد السيف، فيجوز عليه أول زمرة من الناس سراعًا كطرف العين، والزمرة الثانية كالبرق الخاطف، والزمرة الثالثة كالريح، والزمرة الرابعة كالطير، والزمرة الخامسة كالخيل، والزمرة السادسة كالرجل المسرع، والزمرة السابعة يمرون عليها مشاة، ثم يبقى رجل واحد فهو آخر من يمر على ذلك الجسر، فيقال له: مر، فيضع عليه قدميه فتزل إحداهما ثم يركبه فيحبو على ركبتيه، فتصيب النار من شعره وجلده.
قال: فلا يزال يترجرج على بطنه فتزل قدمه الأخرى وتثبت يده وتتعلق الأخرى، فهو على ذلك تصيبه النار، وهو يظن أنه لا ينجو منها، فلا يزال يترجرج على بطنه حتى يخرج منها، فإذا خرج منها نظر إليها فقال: تبارك الذي أنجاني منك، ما أظن أن ربي أعطى أحدًا من الأولين والآخرين مثل ما أعطاني، أنه نجاني منك، بعد إذ رأيت ولقيت.