وكذلك الحكم في الوحل المجرد من غير مطر أو ريح شديدة باردة، هل يجوز الجمع لأجله؟ على وجهين.
فإذا جمع نظرنا، فإن كان ذلك في وقت الأولى لأجل المطر اعتبر أن يكون المطر موجودًا عند افتتاح الأولى، وعند الفراغ منها وافتتاح الثانية، وإن كان ذلك في وقت الثانية جاز، سواء كان المطر قائمًا أو قد انقطع لأنه قد أخر الأولى، بسبب العذر، فلا يؤثر زواله، لأن أول الوقت قد فات وانقضى فلا يمكن تلافيه وإدراكه.
وإنما جوزنا له الجمع لأجل المشقة اللاحقة بالناس من بل الثياب والحذاء والأذية، فيشق على الناس الدخول والخروج، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" مروي ذلك في الصحيحين.
وكذلك عندنا حكم المريض حكم المسافر في الجمع، لأن الله تعالى جمع بينهما وذكرهما في كلام واحد، فقال عز وجل:{فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر}[البقرة: ١٨٤] فالعلة في التخفيف: العجز والمشقة، وذلك في المريض آكد وأظهر وبه أحق، لأن المسافر قد يكون مرفهًا مدللًا محمولًا متفرجًا قويًا نشيطًا في سفره أكثر مما كان في الحضر لغناه وسلطته وقدرته، ومع ذلك تتباح له الرخص، والمريض بخلافه، فكان أولى بالرخص من المسافر.
* * *
[(فصل) وأما الصلاة على الجنازة]
فهي فرض على الكفاية، وأولى الناس بها عندنا وصية ثم السلطان، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، فيقف الإمام حذاء صدر الرجل ووسط المرأة، وإن كانوا جماعة سوى بين رؤوسهم، وإن كانوا أنواعًا قدم أفضلهم مما يلي الإمام، مثل أن يكونوا رجالًا ونساء وعبيدًا وخناثى وصبيانًا، قدم الرجال ثم العبيد ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء، وروي عنه تقديم الصبيان على العبيد.
ثم ينظر في الأنواع فيقدم مما يلي الإمام من كل نوع أفضلهم في العلم والقرآن والدين والورع.