مقدار الحرام وتصدق بذلك المقدار، وترك الباقي له ولعياله.
وأما الأعراض فهو سب الناس وشتمهم مشافهة، وهو الجناية على القلوب، وكذلك غيبتهم، وذكرهم بالقبيح، وما يسوءهم من الغيبة، وهو كل كلام لا يحسن أن يقال له في وجهه فإذا قاله في غيبه منه، كان قد اغتابه، فكفارته أن يذكر له ذلك ويستحله، فإن كانوا جماعة فواحدًا واحدًا، ومن مات منهم قبل ذلك، فتدارك ذلك بكثير الحسنات على ما ذكرناه.
كل ذلك إذا بلغتهم الغيبة، وأما إذا لم تبلغهم فلا يجب عليه استحلالهم، بل لا يجوز، لأن فيه إيصال الألم إلى قلوبهم، بل يأتي الذين أغتابهم عندهم فيكذب نفسه عندهم، ويثني على المغتابين.
(فصل) ولا بد أن يعرفه قدر جنايته، ويعرض له في سائر المظالم، ولا يكفي في ذلك الاستحلال المبهم، لجواز أن يكون المظلوم إذا عرف قدر ظلمه على الحقيقة لم تطب نفسه بالإحلال بل يؤخر ذلك ليوم القيامة، ليأخذ بدله من حسناته، أو يحمله من سيئاته، وإن كان من جملة جنايته على الغير ما لو عرفه، وذكره لتأذي بمعرفته، كزناة بجاريته وأهله، أو نيبته باللسان إلى عيب خفي من عيوبه، يعظم أداه به، فهاهنا لا طريق له إلا أن يستحله مبهمًا، ويبقى عليه له مظلمة ما، فيجبرها بالحسنات كما يجبر له مظلمة الميت والغائب، وكل جناية على الغير لم يعلم بها لو ذكر الجاني له ذلك لم تطب نفسه بالإحلال بسرعة، أو لا يأمن المجني عليه مقابلته بها فق الجاني في ذلك وطريقه أن يتلطف له، ويسعى في مهماته وأغراضه ويظهر من حبه والشفقة عليه ما يستميل به قلبه، فإن الإنسان عبد الإحسان، وكل من نفر بسيئة مال ورجع بحسنة، فإن تعذر ذلك عليه، فالكفارة بتكثير الحسنات، ليجزي بها في يوم القيامة جنايته، فإن الله تعالى يحكم به عليه، ويلزمه قبول حسناته مقابلة لجنايته عليه إذا امتنع من القبول، كمن أتلف في الدنيا مالًأ، فجاء بمثله، فامتنع من له الحق عن قبول ذلك، وإبرائه عن ذلك، فإن الحاكم يحكم عليه بالقبض، شاء أم أبى، كذلك الله عز وجل يحكم بذلك في عرصات القيامة، وهو أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين.
(فصل) فإذا تخلص من مظالم العباد، وتفرغ لعبادة الله تعالى في خاصته، سلك طريق الورع، لأن به يتخلص العبد في الدنيا والآخرة من العباد، ومن عذاب الله عز