قال الله -سبحانه وتعالى -: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً}[الحج: ٢٧] وهذه الآية في سورة الحج، وهي من أعاجيب سور القرآن العظيم، لأن فيها مكيًا ومدنيًا وحضريًا وسفريًا وليليًا ونهاريًا، وفيها ناسخ ومنسوخ.
فأما المكي فمن رأس ثلاثين آية منها إلى آخرها، وأما الآيات المدنية فمن رأس خمسة عشر إلى رأس الثلاثين، وأما الليالي منها فمن أولها إلى رأس خمس آيات، وأما النهاري منها فمن رأس خمس إلى رأس تسع، وأما الحضري منها فإلى رأس العشرين، ونسب ذلك إلى المدينة لقربها منها.
وأما الناسخ، فقوله تعالى:{أذن للذين يقاتلون}[الحج: ٣٩].
وأما المنسوخ فثلاث آيات:{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي}[الحج: ٥٢] نسخت بقوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}[الأعلى: ٦].
والثانية: قوله تعالى: {فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}[البقرة: ١١٣] فنسخت بآية السيف.
والثالثة:{وجاهدوا في الله حق جهاده}[الحج: ٧٨] فنسخت بقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن: ١٦].
قوله تعالى:{وأذن فى الناس بالحج}[الحج: ٢٧] أي ناد يا إبراهيم ذريتك وغيرهم من بني آدم من المؤمنين بالحج {يأتوك رجالاً}[الحج: ٢٧] أي يجيئون إليك رجالاً على أرجلهم {وعلى كل ضامر}[الحج: ٢٧] يعني ركبانًا على الإبل {يأتين من كل فج عميق}[الحج: ٢٧] يعني من كل أرض بعيدة وطريق بعيد.
قال الله تعالى ذلك لإبراهيم -عليه السلام -حين فرغ من بناء البيت الحرام، وقال: إلهي من يقصد هذا البيت؟ فأمره أن يؤذن في الناس بالحج، فصعد أبا قبيس وهو الجبل الذي الصفا في أصله، فنادى بأعلى صوته: يا أيها الناس أجيبوا ربكم إن الله يأمركم أن تحجوا بيته، فسمع نداء إبراهيم كل مؤمن ومؤمنة على وجه الأرض.