والشهادتين، ويولى وجهه يمينًا وشمالًا في الدعاء إلى الصلاة، وإذا أذن لصلاة المغرب جلس بين الأذان والإقامة جلسة خفيفة، ويكره له أن يؤذن وهو جنب أو محدث، ولا ينبغي له أن يشق الصفوف إذا فرغ من الإقامة ليقوم في الصف الأول.
وينبغي له أن يقيم موضع الأذان، إلا أن يشق عليه مثل أن يكون قد أذن في منارة، فإنه يقيم مواضع الصلاة، أو حيث تيسر له.
(فصل) فرحم الله من أقبل على صلاته خاشعًا خاضعًا ذليلًا لله عز وجل خائفًا واعيًا راغبًا وجلًا مشفقًا راجيًا، وجعل أكثر همته في صلاته لربه تعالى، ومناجاته إياه وانتصابه بين يديه قائمًا وقاعدًا وراكعًا وساجدًا، وفرغ لذلك قلبه وثمرة فؤاده، واجتهد في أداء فرائضه، فإنه لا يدري هل يصلي صلاة بعد التي هو فيها أو يعاجل عليه بوفاته قبل ذلك، فقام بين يدي ربه عز وجل محزونًا مشفقًا يرجو قبولها، ويخاف ردها، إن قبلها سعد وإن ردها شقى، فما أعظم خطرك يا أيها المؤمن المتحلي بأنوار الإسلام في هذه الصلاة وفي غيرها من عملك، وما أولاك من الهم والحزن والخوف والوجل فيها وفيما سواها، مما افترض عليك، أنك لا تدري هل قبلت منك صلاة أو حسنة قط أم لا؟ وهل غفرت لك سيئة أم لا؟ وأنت مع ذلك ضاحك فرح غافل منتفع بالعيش، كيف وقد جاء اليقين من مخبر صادق أمين أنك وارد النار فقال جل وعلا:{وإن منكم إلا واردها}[مريم ٧١٠] ولم يأتك اليقين أنك صادر عنها، فمن أحق بطول البكاء وطول الحزن منك حتى يتقبل الله منك، ثم مع هذا لا تدري لعلك لا تصبح إذا أمسيت ولا تمسي إذا أصبحت، فمبشر بالجنة أم مبشر بالنار، فمحقوق ألا تفرح بأهل ولا ولد ولا مال، وإن العجب كل العجب من طول غفلتك وطول سهوك عن هذا الأمر العظيم وأنت تساق سوقًا حثيثًا في كل يوم وليلة، وفي كل ساعة وطرفة عين، فتوقع أجلك ولا تغفل عن هذا الخطر العظيم الذي قد أظلك، فإنك لابد ذائق الموت ولاقيه، ولعله ينزل بساحتك في صباحك أو مسائك أشر ما تكون عليها إقبالًا، فإنك قد أخرجت من ذلك كله وسلبته فإما إلى الجنة وإما إلى نار انقطعت عنها الصفات، وقصرت العبارات والحكايات عن بلوغ حقيقة وصفها ومعرفة قدرها وأنواع عذابها والإحاطة بغاية خبرها.
وقال العبد الصالح رحمه الله: عجبت للنار كيف نام هاربها، وعجبت للجنة كيف نام طالبها، فوالله لئن كنت خارجًا من الهرب والطلب لقد هلكت هلاكًا بينًا وعظم