لها:{إنه صرح ممرد}[النمل: ٤٤] يعني قصرًا أملس لا شعث فيه كالأمرد الذي لا شعر في وجهه، كان ملزق بعضه ببعض اتخذ بلاطه من القوارير، قال: فمضت نحو سليمان وقد أبصر قدميها وأبصر الشعر الذي على ساقها مهدبًا.
قال فأعجبه ما رأى عجبًا شديدًا {فلما جاءت}[النمل: ٤٢] إلى سليمان فـ {قيل}[النمل: ٤٢] لها {أهكذا عرشك}[النمل: ٤٢] فنظرت إليه فجعلت تعرف وتنكر فقالت في نفسها: من أين تخلص إلى ذلك السرير الذي هو داخل سبعة أبيات والحرس حوله، فلم تعرف ولم تنكر فـ {قالت كأنه هو}[النمل: ٤٢] فقال سليمان: {وأوتينا العلم من قبلها}[النمل: ٤٢] يعني من قبل بلقيس، وكانت مجوسية {وكنا مسلمين}[النمل: ٤٢] من قبلها فـ {قالت} حينئذ {رب إني ظلمت نفسي}[النمل: ٤٤] يعني في الظن الذي ظننت بسليمان أنه أراد أن يغرقني، وقيل: ظلمت نفسي يعني ضررت نفسي بعبادة الشمس {وأسلمت مع سليمان}[النمل: ٤٤] يعني وأطعت الله مع سليمان، ويقال: أخلصت مع سليمان {لله رب العالمين}[النمل: ٤٤] في العبادة فأسلمت {وصدها}[النمل: ٤٣] يعني أن سليمان صدها عن {ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين}[النمل: ٤٣] فتزوج بها سليمان، فأمر بالنورة فاتخذت فتنور سليمان وبلقيس، وهو أول من اتخذ النورة، قال: فسألها سليمان عن أشياء وهي سألته، ودخل بها سليمان، فولدت له غلامًا فسماه داود، ومات في حياته، ثم مات سليمان وماتت بلقيس بعده بشهر.
وقيل: إن سليمان أعطاها قرية بالشام، فكانت تأخذ خراجها حتى ماتت.
وقيل: إن سليمان لما دخل بها سرحها في جنوده، وردها إلى ملكها وكان يأتيها في كل شهر مرة، فيركب من بيت المقدس إلى اليمن على ما تقدم ذكره.
(فصل) وإنما استوفيت هذه القصة في هذا المجلس لما فيها من العبرة لكل مؤمن عاقل ناظر في العواقب معتبر في سير السلف الصالح والطالح، وقدرة الله -عز وجل- النافذة في الأمم الماضية الخالية، وكرامته لأهل الطاعة وتسخيره أهل معصيته لهم وإعطائه مقادتهم وإذلالهم وتمليكه الخلق لأهل ولايته ومحبته، لما أطاع سيلمان ربه -عز وجل- كيف ملكه بلقيس وملكها، وقد كان في أهل مملكتها اثنا عشر ألف مقاتل، كل واحد منهم أمير على مائة ألف منهم، وجند سليمان يحتوي على أربعمائة ألف، مائتا