فإذا دام العبد على ذلك ولازمه وواظب عليه وعانقه، كانت له النجاة من فتن الشيطان ووساوسه، وهواجس النفس وغوائلها، وعذاب القبر وضغطته، وهول القيامة وشدتها، وألم النار وزفرتها، وكان في جوار الله في جنة المأوى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، متقلبًا في نعم الله في كل حال، دائمًا أبدًا، قال الله -عز وجل-: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}[الحجر: ٤٢].
فإذا كان على العبد سمة العبودية للملك الأعلى، لم يكن للشيطان الضعيف الخسيس الأدنى عليه تسلط وابتلاء ولا في الجلوة ولا إذا خلا، لا على القلب بالمعصية إذا نوى، ولا على الجوارح إذا كادت بها أن تهوى وتردى.
حينئذ يسمع النداء هكذا فعلنا بمن ترك الهوى، واتبع الحق وبه اهتدى، وفيه يختصم الملأ الأعلى، وبالعظيم يدعى في الملكوت الأعلى، وبه يباهى الملك الأعلى على العرش إذ هو عليه استوى، بكلامه القديم، المصون من سجع الشيطان والباطل عند قراءة القارئ إذا قرأ:{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف: ٢٤] إذ هو السر والعلانية اتقى، فالفرار من الشيطان الرجيم ودعائه أحرى وأولى، إذ الحذر من العلي الأعلى حيث قال:{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: ٦}، وقال تعالى:{ولقد أضل منكم جبلًا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون}[يس: ٦٢].
فاتباع الشيطان أصل كل شقاوة وعناء وفي المخالفة سعادة ونعماء وراحة وهدى، والخلود في دار البقاء.
(فصل) ويستفيد العبد بالاستعاذة خمسة أشياء:
أحدها: الثبات على الدين والبقاء.
والثاني: السلامة من شر اللعين والعناء.
والثالث: الدخول في الحصن الحصين والزلفى.
والرابع: الوصول إلى اللقاء الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
والخامس: نيل معونة رب الأرض والسماء.
كما ذكر في بعض الكتب المتقدمة لما قال إبليس اللعين في مخاطبته لله -عز وجل-: {لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}[الأعراف: ١٧].