وينبغي ألا يصحب الأحداث المردان في السفر على الخصوص، فإنهم أقرب إلى مصافاة الشياطين والقبول منها وإلى الشر والفتن والغش ومتابعة الهوى وهنات النفس والتهمة وفي صحبتهم خطر عظيم، إلا أن يكون الفقير ممن يقتدى به من الشيوخ والعلماء الله وأبدال أنبيائه المحفوظين الأئمة الهداة الربانيين معلمي الخير المؤدبين المنذرين للخلق والمهذبين لهم، السفراء بين الحق والخلق، والجهابذة، فحينئذ لا يبالي بمن يصحبه من الأحداث والشيوخ.
وإذا دخل بلدًا وفيه شيخ، فينبغي أن يبدأ بسلامه عليه وخدمته له، وينظر إليه بعين الإكبار والحشمة والتعظيم، لئلا يحرم فائدته، وإذا فتح له بشيء فلا يستأثر به دون أصحابه، وإذا وقع أحدهم عذر وقف معه ولا يضيعه، والله الموفق للصواب.
* * *
[(فصل: في آدابهم في السماع)]
من ذلك الا يتكلفوا السماع ولا يستقبلوه بالاختيار، فإذا اتفق السماع فمن حق المستمع أن يقعد بشرط الأدب ذاكرًا لربه بقلبه مشتغلاً بحفظ قلبه من طوارق الغفلة والنسيان، فإذا قرع سمعه شيء يرى القارئ للقرآن كأنه مستنطق من قبل الحق عز وجل فيما يرد عليه من تعريفات الغيب إياه، مما يوجب ترغيبًا أو ترهيبًا أو إيناسًا أو عتابًا أو زيادة في القيام بعبادته عز وجل أو غيره، بادر إلى ما يرد عليه، وقابل الإشارة عليه بالبدار، وإن كان السماع بحيث يصير كأن لسان القارئ لسانه، وصار كأنه يخاطب هو الحق بما يقرأ القارئ، فما يحصل مما يجده في قلبه من ذلك يكون موافقًا لحق العبودية وآداب الشريعة، وفي الجملة لا يكون في الطريقة ولا في علم الحقيقة شيء يخالف آداب الشريعة، وإذا كان في القوم شيخ حاضر في السماع، فالواجب على الفقير السكون ما أمكنه ومراعاة حشمة ذلك الشيخ، فإن ورد عليه أمر غالب فبقدر الغلبة يسلم إليه الحركة، فإذا سكنت الغلبة فالأولى له السكون مراعاة لحشمة الشيخ.
ولا ينبغي للفقير أن يتقاضى القارئ ولا القوال، إن استبدل القول الذي هو أدنى بالذي هو خير، يعني الأبيات بالقرآن على ما هو عادة أهل الزمان اليوم، فلو صدقوا في قصدهم وتجردهم وتصرفهم لما انزعجوا في قلوبهم وجوارحهم بغير سماع كلام الله عز وجل، إذ هو كلام محبوبهم وصفته، وفيه ذكره ذكر الأولين والآخرين، والماضين