للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلس: في قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: ٣١]

هذا خطاب للعموم بالتوبة.

وحقيقة التوبة في اللغة: الرجوع، يقال: تاب فلان من كذا: أي رجع عنه، فالتوبة هي الرجوع عما كان مذمومًا في الشرع إلى ما هو محمود في الشرع.

والعلم بأن الذنوب والمعاصي مهلكات مبعدات من الله -عز وجل- ومن جنته، وتركها مقرب إلى الله -عز وجل- وجنته، فكأنه -عز وجل- يقول: ارجعوا إلي من هوى نفوسكم ووقوفكم مع شهواتكم عسى أن تظفروا ببغيتكم عندي في المعاد، وتبقوا في نعيمي في دار البقاء والقرار، وتفلحوا وتفوزوا وتنجوا وتدخلوا برحمتي الجنة العليا المعدة للأبرار، وخاطبهم أيضًا بخطاب الخصوص والاقتضاء فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [التحريم: ٨]

ومعنى النصوح الخالص لله تعالى الخالي عن الشوائب، مأخوذ من النصاح وهو الخيط.

وهو توبة مجردة لا تتعلق بشي، ولا يتعلق بها شيء، يكون العبد معها مستقيمًا على الطاعة غير مائل إلى المعصية، لا يروغ كما يروغ الثعلب، ولا يحدث نفسه بعود إلى معصية، ولا ذنب من الذنوب، وأن يترك الذنب لله خالصًا كما ارتكبه للهوى خالصًا حتى يختم له بحسن الخاتمة.

فالتوبة من سائر الذنوب واجبة بإجماع الأمة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى التائبين في غير موضع، قال عز من قائل: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: ٢٢٢] فذكر أنه يحبهم لتوبتهم وتطهرهم من الذنوب المبعدة عنه -عز وجل-، وقال في موضع آخر: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} [التوبة: ١١٢] فذكر اسمًا معرفًا يعني التائبون ثم وصفه بهذه الأوصاف الحميدة، فعلم أن التائب من هذه صفته، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>