شقاؤك وطال حزنك وبكاؤك غدًا مع الأشقياء المعذبين، ولئن زعمت أنك هارب طالب، فلا تغرنك الأماني والعجب بما أنت متحل به فدونك الجد والاجتهاد، واحذر النفس والشيطان، فإن مثقبهما دقيق وغائلتهما شديدة ومكايدهما خبيثة، واحذر الدنيا لئلا تأخذك بزينتها وتخدعك بأباطيلها وكذبها وخضرتها ونضرتها.
وقد جاء في الحديث عن سيد البشر "إن الدنيا تغر وتمر وتضر". قال الله عز وجل. {فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}[لقمان ٣٣، وفاطر ٥] فالغرور هو الشيطان الرجيم، الله الله ثم الله، احذر الهلاك والردى، احفظ الصلاة وما سواها من الأوامر، وانته عن المناهي أجمع، وذر الإثم ما ظهر منه وما بطن، وسلم إلى ربك جميع المقدور فيك وفي غيرك، وانقد لربك بطاعته فيما أمرك ونهاك، ولا تنفر منه بارتكابك ما نهاك عنه، ولا تسخطه عليك باعتراضك عليه في تدبيره فيك وترك رضاك عنه، فيما قسم لك من الأقسام والأرزاق، وفعل فيك من الأفعال، ما طوي عنك مصالحها وأخفى عنك عواقبها، وما سيظهر لك من أطيب ثمارها ومنافعها، قال عز من قائل:{وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكن وانه يعلم وأنتم لا تعلمون}[البقرة: ٢١٦].
وكن أبدًا طائعًا لمولاك راضيًا بقضائه صابرًا على بلائه شاكرًا لآلائه داعيًا بأسمائه، ذاكرًا لأنعمه وآياته، موافقًا لفعله ومراده، غير متهم له في تدبيره فيك وفي خلقه، حتى تأتيك الوفاة، فتتوفى مع الطيبين، وتحشر مع النبيين، وتدخل جنات النعيم برحمة رب العالمين، ومشيئة إله الأولين والآخرين.
(فصل) وأما صلاة الخاصة لإيقاظ الخاشعين المراقبين، حراس القلوب جلساء الرحمن رضوان الله عليهم وسلامه، فصفتها:
ما روى أن يوسف بن عصام مر يومًا في جامع من جوامع خراسان فإذا هو بحلقة عظيمة، فسأل عنها فقيل له: إنها حلقة حاتم، وهو يتكلم في الزهد والورع والخوف والرجاء، فقال لأصحابه: قفوا بنا نسأله عن مسألة عن أمر الصلاة، فإن هو أجابنا عنها جلسنا إليه، فوقف عليه وسلم عليه وقال: رحمك الله لي مسألة، قال له حاتم: سل، قال: أسألك عن أمر الصلاة، فقال له حاتم: تسألني عن معرفتها أو عن أدبها؟ قال: فصارت مسألتين، وجب لهما جوابان، فقال يوسف: أسألك عن أدبها، فقال حاتم.