والرواية الثانية: إن ذلك جائز غير مكروه لكنه يؤخره لما روى عمر -رضي الله عنه -قال: تدعون فضل الليل آخره، الساعة التي تنامون بها أحب إلى من الساعة التي تقومون.
[(فصل آخر: يختم به ما يتعلق بليلة القدر وجميع شهر رمضان)]
قوله -عز وجل -: {تنزل الملائكة والروح فيها}[القدر: ٤] إذا نزلت الملائكة والروح الذي هو جبريل -عليه السلام -ومعه سبعون ألف ملك وهو أمير عليهم، فجبريل -عليه السلام -يسلم على من كان قاعدًا، والملائكة تسلم على من كان نائمًا، والبارئ -سبحانه وتعالى -يسلم على عباده من كان قائمًا، كما جاز أن يسلم الله -عز وجل -على عباده المؤمنين من أهل الجنة في الجنة بقوله:{سلام قولاً من رب رحيم}[يس: ٥٨] جار أن يسلم على عباده الأبرار في الدنيا الذي سبقت لهم منا الحسنى والعناية والسعادة في الأزل، الفانين عن الخلق الباقين بالرب، المطمئنين إلى الحق، فلا يبقى في ليلة القدر بقعة إلا وعليها ملك ساجد أو قائم يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا أن تكون كنيسة أو بيعة أو بيت النار أو بيت الوثن، أو بعض أماكنهم التي يطرحون فيها الخبث، فلا يزالون يدعون ليلتهم تلك للمؤمنين والمؤمنات، وأما جبريل -عليه السلام -فلا يدع أحدًا من المؤمنين والمؤمنات إلا ويسلم عليه ويصافحه ويقول له: إن كنت في الطاعة فسلام عليك بالقبول والإحسان، وإن كنت في المعصية فسلام عليك بالغفران، وإن كنت في النوم فسلام عليك بالرضوان، وإن كنت في القبر فسلام عليك بالروح والريحان، فهو قوله -عز وجل -: {من كل أمر * سلام}[القدر: ٤ - ٥].
وقيل: إن الملائكة تسلم على أهل الطاعات ولا تسلم على أهل العصيان، فمنهم الظلمة ليس لهم نصيب في سلام الملائكة، وآكل الحرام وقاطع الرحم والنمام وآكل أموال اليتامى، ليس لهم نصيب في سلام الملائكة، فأي مصيبة أعظم من هذه المصيبة؟.
يمضى شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ولا يكون لك حظ في سلام ملائكة رب العصاة والأبرار، فهل كان ذلك إلا لبعدك من الرحمن، وكونك من أهل الطغيان وموافقى الشيطان، وتحليك بحلية سالكى سبيل النيران؟ وبعدك وتجافيك عن سالكى سبيل الجنان، وهجرانك لطاعة من بيده الضرر والإحسان؟