والواجب على الفقير أن يؤدب أهله بملازمة ظاهر العلم والشريعة، ولا يمكنهم من مخالفة العلم في القليل والكثير.
ولا ينبغي له أن يسلم أولاده إلى السوق وتعلم الحرف، بل يعلمهم أحكام الدين ويحملهم على ترك طلب الدنيا، إلا أن يغلب عليه الفقر وقلة الصبر وانكشاف الحال والفضيحة والرجوع إلى الخلق في القوت وما يسد به الخلة، فليشغل أهله وولده ونفسه بالكسب وتحصيل ما يحصل به الغنى عن الناس، فهو أفضل من غيره مع حفظ الحدود، ويعرف أولاده وجوب مراعاة حق الوالدين ومجانبة العقوق، ويعرف أهله مراعاة حقه، وفضيلة الصبر مع وطاعته وغير ذلك على ما بينا في باب آداب النكاح.
* * *
[(فصل: في آدابهم في السفر)]
وقد ذكرنا في كتاب الأدب في أثناء الكتاب أنه يجب أن يكون سفر المؤمن الخروج من أوصافه المذمومة إلى صفاته المحمودة، فيخرج من هواه إلى طلب رضا مولاه بتصحيح تقواه، فإذا أراد الفقير أن يسافر من بلده، فأول شيء يجب عليه أن يرضي خصومه ويستأذن والديه أو من هو في حكمهما في وجوب الحق عليه من العم والخال والجد والجدة، فإذا رضوا بذلك خرج، فإن كان ذا عيال وفي سفره عنهم مضرة عليهم وضيقة، فلا يسلم له السفر إلا بعد إصلاح أمورهم أو يستصحبهم معه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت".
ومن شرط الفقير إذا سافر أن يكون قلبه معه، لا يكون قلبه ملتفتًا إلى علاقة وراءه، ولا يكون قلبه متعلقًا بمطالبة أمامه، فحيثما نزل يكون قلبه معه ويكون قلبه خاليًا عن الأشياء كما قيل عن إبراهيم بن دوحة أنه قال: دخلت مع إبراهيم بن شيبة البادية فقال لي: اطرح ما معك من العلائق، فطرحت كل شيء إلى دينارًا، فقال: لا تشغل سري، اطرح ما معك، فطرحت الدينار، فقال: لا تشغل سري، طرح ما معك من العلائق، فذكرت أن معي شسوعًا للنعل فطرحتها، فوالله ما احتجت في الطريق إلى شسع إلى وجدته بين يدي فقال ابن شيبة: هكذا من عامل الله تعالى بالصدق.