(فصل) وأما قيام الليل، فعمل الأقوياء الذين سبقت لهم منه العناية، وأديمت لهم الرعاية، وأحيط على قلوبهم بالتوفيق ونور الجلال ثم الجمال، فجعل القيام بالليل لهم موهبة وخلعة، فلم يسلبه عنهم مولاهم عز وجل حتى اللقاء.
وقد روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يحيى الليل بركعة واحدة يختم فيها القرآن وقدمنا ذكره.
وذكر عن أربعين رجلاً من التابعين أنهم كانوا يحبون الليل كله، ويصلون صلاة الغداة بوضوء العشاء الآخرة أربعين سنة، صح النقل عنهم واشتهر، منهم سعيد بن جبير، وصفوان بن سليم، وأبو حازم، ومحمد بن المنكدر من أهل المدينة، وفضيل بن عياض، ووهب بن الورد من أهل مكة، وطاوس، ووهب بن منبه من أهل اليمن، والربيع بن خيثم، والحكم من أهل الكوفة، وأبو سليمان الداراني، وعلى بن نكار من أهل الشام، وأبو عبد الله الخواص، وأبو عاصم من أهل عبادان، وحبيب أبو محمد، وأبو جائز السليماني من أهل فارس، ومالك بن دينار، وسليمان التيمي، ويزيد الرقاشي، وحبيب بن أبي ثابت، ويحيى البكاء من أهل البصرة، وغيرهم ممن يطول ذكرهم، رحمة الله عليهم ورضوانه.
(فصل) ومن استكملت غفلته، وأحاطت به خطيئاته، وقيدته وثبطته عن قيام الليل زلته وذنوبه، وأحب قيامه والدخول في زمرة القانتين المستغفرين بالأسحار، فليستغفر الله تعالى ثلاثاً عند نومه واضطجاعه، ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ عشر آيات من أول سورة الكهف، وعشراً من آخرها، ويقرأ. {آمن الرسول ...}، و {قل يا أيها الكافرون ...}، فإن الله تعالى يوقظه ويؤهله لقيام الليل بنعمته الواسعة، ومغفرته الشاملة، ورعايته العامة للمؤمنين من عباده.
وليقل أيضاً: اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك، واستعملني بأحب الأعمال لديك، التي تقربني إليك زلفى، وتبعدني من سخطك بعداً، أسألك فتعطيني، وأستغفرك فتغفر لي، وأدعوك فتستجيب لي، اللهم لا تؤمني مكرك، ولا تولني غيرك، ولا ترفع عني سترك، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين، فإنه قيل. من قال هذه الكلمات عند نومه أهبط الله عز وجل له ثلاثة أملاك يوقظونه للصلاة، فإن صلى ودعا أمنوا على دعائه، وإن لم يقم تعبد الأملاك في الهواء، وكتب له ثواب عبادتهم.